الجماعات الإرهابية التي أفرزتها أحزاب ظلامية وأجهزة مخابرات ودول معروفة وسياسات ذات وجهين، هي المسؤولة عن هذه الجرائم، وهي التي غذت الإرهاب لأهداف سياسية خاصة بها. ولعل فرنسا تعلم أكثر منا من هي الأصابع الخبيثة التي حركت هذه القوى الظلامية واستخدمتها كفزاعة وآلة قتل وتخريب في أكثر من قطر عربي. الغرب مسؤول عموماً عن تضخم هذه الجماعات، لأنها بدأت كأداة لتنفيذ سياسة بعض دوله وحلفائه في المنطقة وانقلبت عليه لاحقاً. ثم إن الجماعات الإرهابية قتلت من العرب أكثر مما قتل هولاكو، وإن تحالف الأربعين الذي شكلته واشنطن كان هدفه إطالة عمر داعش واستخدامه لعدة سنوات مقبلة كغطاء لإدامة الفتن والحروب في كثير من أقطار المنطقة، ولم تنكسر هذه السياسة إلا بعد التدخل الروسي في سوريا الذي كشف زيف هذا التحالف الذي تقوده واشنطن وكأنه طبقاً للسياسة الأمريكية ليس تحالفاً يريد تصفية الإرهاب بل استخدامه لأمد طويل. فبعد التدخل الروسي تبين أن بالإمكان النيل من الإرهاب وتعطيل بعض أسبابه وليس كلها. ويمكن أن نلاحظ أن السياسة الفرنسية في السنوات الأخيرة تبنت أفكاراً عديدة لصالح القضية الفلسطينية، ولم تجد عراقيل سوى من الإدارة الأمريكية التي تتبنى المواقف الإسرائيلية من دون نقاش، وأحبط الأمريكيون مشروع قرار فرنسي كان سيطرح في الأمم المتحدة مؤخراً حول حل الصراع العربي الإسرائيلي ضمن جدول زمني للانسحاب والاعتراف بدولة فلسطين، كما أحبط الأمريكيون مشروع قرار حول المسجد الأقصى في بداية الغضبة الشعبية الحالية ضد الاحتلال وسياسته في القدس ضد المقدسات، وفتحت فرنسا ترسانتها العسكرية لبيع أسلحة متطورة لمصر ودول عربية أخرى كبديل للسلاح الأمريكي الذي يخضع لمقاييس الكونغرس المؤيد لإسرائيل، ويشترط أسلحة ناقصة الكفاءة والتكنولوجيا لبيعها للدول العربية بعد نزع الدسم منها. وقد ثبت عملياً على أرض الواقع عدم وجود إجماع دولي على كيفية مواجهة الإرهاب حيث المقاييس مختلفة طبقاً لكل دولة، أي لم يتم تعريف من هو الإرهابي، فمن هو إرهابي في ليبيا مثلاً لا تعتبره بعض الدول إرهابياً طالما أن إرهابه موجه ضد الشعب الليبي وضد جيرانه، أي مصر وتونس والجزائر، ومصر أنموذجاً حيث استثنى الأمريكيون إرهاب الجماعات الإرهابية في ليبيا من قائمة الاستهداف طالما أنهم قاعدة تدريب وتمويل وتسليح لجماعات إرهابية تضرب في مصر التي تعتبرها واشنطن خرجت من بيت الطاعة الأمريكي ويجب إنهاكها حتى لا تستجمع قواها وتستقر. وكشف التدخل الروسي في سوريا حرصاً غربياً خصوصاً أمريكياً على عدم ضرب بعض الجماعات طالما أنها تتساوق في إرهابها مع السياسة الأمريكية التي ما زالت تتبنى أحزاباً إسلامية بحجة اعتدالها، وما هي إلا حاضنة طبيعية للجماعات الإرهابية. وقد جن جنون الإدارة الأمريكية مؤخراً عندما ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لندن أثناء زيارته عن احتمال تدخل مصري لضرب قواعد الإرهاب في ليبيا، وطلب السفير الأمريكي في القاهرة توضيحات حول التلميح خاصة وأن واشنطن أبلغت مصر عن طريق طرف ثالث أن عليها أن تختار بين الانضمام إلى حلف الأربعين أو البقاء خارجه وبالتالي مواجهة تبعات ذلك، فيما ترى مصر أن مواجهة الإرهاب لا تتم بطريقة انتقائية بل مرة واحدة ومن دون تمييز بين جماعة وأخرى. فكيف ستتحالف مع دول تساند الإرهاب على أرضها وتدعمه بالمال والسلاح! وقد طلبت الإدارة الأمريكية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخذ الحذر من السياسة المصرية والكف عن مهادنة مصر لأن استقرار الوضع في مصر لا يعمل لمصلحة إسرائيل، بل استخدم الأمريكيون مخاطر هروب عناصر إرهابية من سوريا والعراق إلى الأردن أمام الهجمات الروسية وسيلة للضغط على الأردن ليقبل بإملاءات إسرائيل بشأن المسجد الأقصى وهو ما رفضه الأردن وتلقى تطمينات روسية من أن الطيران الروسي لن يسمح بهروب عناصر إرهابية نحو أراضيه وأنه سيلاحقها في سوريا. ونلاحظ أيضاً كيف أن الكيان الإسرائيلي بدأ يستخدم فزاعة داعش ومواجهته كمبرر للقفز عن القضية الفلسطينية والبحث عن تسوية إقليمية بعيداً عن الفلسطينيين. هجمات باريس هي حلقة لبث الرعب في الاتحاد الأوروبي ككل بعد ما بدأ انتهاج سياسة شرق أوسطية جديدة لا تعجب بعضهم، وتأتي بعد حادث الطائرة الروسية الغامض لكن أهدافه واضحة وهي المس بمصر واقتصادها واستقرارها.. فمن هو الرابح من عدم استقرار مصر؟ لعله من سخريات القدر الآن أن يخرج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ليقول إن أيام تنظيم داعش باتت معدودة. لماذا لم يكن الأمر قبل ذلك.. وكان يقال إن محاربته تحتاج ما بين ثلاث إلى خمس سنوات! hafezbargo@hotmail.com