حتّى الدُّعاء لكِ يا مصر، يا ست الحسن باعتبارِه مُخَّ العبادة للفرد الصمد، الذي شاءت إرادتُه أن يعانق فيك الجمعة الأحد، أسقطوه في مستنقع الاستقطاب! فإن دعوت لها بالنهوض، قالوا لك: وهل كانت قاعدة؟! وإن دعوت بالصمود قالوا: وهل تراخت، أو همدت؟! أنت لا تملك في هذه الحالة التي تمرُّ بها مصرُ سوى أن تدعو لها في اغترابك، واقترابك، طالما بقيت حياة.. أنت لا تدعو دعاءً واحدًا في هذه الأيام، سوى أن يبقيها ويرعاها الإله. واصلوا الدعاء من القلب، ولا يأخذنَّكم فيه لومة لائم، ولا تفسير حاقد، ولا تأويل ذئب! أنت لا تملك في مثل هذا الوضع سوى أن تبتهلَ إلى الله بأن يجمع صفوفها كلّها.. وأبناءها كلّهم، وأن يحفظ الله شعبها الواحد الذي قسّمه بعضهم إلى شعبين، وأرضها كلها التي غرقت بالفعل ليس في مياه الأمطار -على غزارتها-، وإنما في مستنقع الاستقطاب، والإقصاء البغيض! والحق عندي أن مستنقع الاستقطاب الحاد، الذي يأخذ تارة منحى التخوين، وأخرى التكفير، وثالثة العمالة أخطر ألف مرّة من أمطار البحيرة، والأسكندرية، وكفر الشيخ، وسيناء! دقّق معي في هذه المحافظات، وغيرها ستدرك تمامًا -وبوضوح شديد- أن الاستقطاب فيها أخطر، وأكثر خسارةً وألمًا! ثم دقّق معي في مياه الأمطار، حيث تطفو فضائح أكثر من 30 عامًا خرائب، وبقايا أكثر من 30 عامًا مصائب! دعك من حديث البلّاعات المسدودة، والمؤامرات المحبوكة، والنظام العالمي الذي يتآمر، والعدو الذي كان بالأمس صديقًا حميمًا ويناور.. إنه طفح الفساد، ونتاج مخلّفات الذئاب.. وانتبه إنهم يعودون الآن بقوة.. بل ويتقبّلون العزاء!! يقينًا ستنقشع الأمطار، وستزول الأخطار، بما فيها توابع حادث الطائرة.. ستجف الأرض، وتصفو السماء، لكن هذا لا ينفي الحقيقة الساطعة، وهي أن مصر التي غمرت كل بلاد الدنيا بعلمها، وفنها، وأدبها.. تغرق الآن في دموعها!! ليس بفعل سقوط الأمطار -على قسوتها-، ولا بفعل سقوط الطائرة -على بشاعتها-، وإنما بفعل قسوة أبنائها عليها، وبفعل سقوطهم في مستنقع الإقصاء. sherif.kandil@al-madina.com