مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية الرابع والعشرون. والذي أقيم بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور في الفترة من 1 إلى 9 نوفمبر. أصبح من أعياد الغناء والفن. بل ربما كان العيد الوحيد الذي ينتظره عشاق الغناء من عام لعام. بل يعد الجهد الوحيد الذى يحاول تقديم وجه الغناء في زماننا. لا شيء مثل الغناء يعبر عن حياة الناس، ويقدم شعورهم نحو الفن في أرقى أشكاله، لا أدعي أنني تابعت جميع فعالياته. فظروف الحياة الصعبة ومشكلة الإنسان مع الوقت، وأهمية أن تكون هناك أولويات لما يتمكن الإنسان من حضوره، جعلتني أحضر بعض ما قدم. 24 عاماً من عمر المهرجان مضت، ومن المتوقع أن يكمل ربع قرن العام القادم. أي أننا سنحتفل بعيده الفضي، ويجب الاستعداد لهذه المناسبة المهمة، وأتصور أن يشكل وزير الثقافة حلمي النمنم ورئيسة الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم، لجنة عليا للإعداد للاحتفال. والذي نشعر أننا في أمس الحاجة للغناء والموسيقى، رغم ظروفنا الصعبة، ومعركتنا مع التطرف والإرهاب. هذا العام، تم اختيار عبد الرحمن الأبنودي ليكون عنواناً للمهرجان. وهو اختيار مهم. فضلاً عن أنه يأتي في وقته. فهو المهرجان الأول بعد رحيل عبد الرحمن عن عالمنا. فضلاً عن أن الرجل أعطى الغناء المصري والعربي الكثير من أغانيه وأشعاره التي ما زالت الناس ترددها وتغنيها. وسيستمر هذا لوقت طويل قادم. حضرت ليالي ثلاث من أمسيات المهرجان حتى كتابة المقال الليلة التي غنى فيها صفوان بهلوان، وليلة صابر الرباعي، وليلة المطربة اليمنية بلقيس. وقبلهم وبعدهم عندما غنت مروة ناجي أغنياتها بصوتها العذب والجميل. تعجز اللغة، وربما يتوقف الخيال أمام الجمال الذي شعرت به في هذه الليالي الثلاث. لم تكن المرة الأولى التي أستمع فيها لصفوان. لكنها المرة الأولى التي أجد نفسي وجهاً لوجه مع صابر الرباعي، وقدرته على الغناء. أيضاً، فإن مروة ناجي سبق لي أن استمعت إليها أكثر من مرة بصوتها الخلاب وأدائها الجميل. كذلك استمعت إلى مطربة شابة تغني في مصر لأول مرة، هي بلقيس اليمنية، التي تعيش في الإمارات الآن. ربما كانت من إيجابيات المهرجان، أنه قدم لنا أصواتاً تأتي من بلدان عربية تعاني الأهوال في معاركها ضد التطرف والإرهاب. أتى من العراق سعدون جابر، وصولست قانون الفنان: فرات قدوري، ومجموعته الموسيقية العراق. حيث قدم رؤية جديدة من العراق. وجاءنا صفوان بهلوان من سوريا الحبيبة، التي تمر بأقسى ظروف يمكن أن يعيشها قطر عربي شقيق، يشكل الجزء الثاني من روح مصر في الفن والأدب والخيال الإنساني. أما صابر الرباعي، فقد جاء من تونس، بلد التحول والثورة، الذي يقود تونس من واقع إلى واقع بصورة مقبولة، أو لنقُل جيدة. على أن كل هذه السعادة التي عاشها الإنسان معهم، وما أندرها في أيامنا هذه، لا تمنع الهم القديم من أن يطل بوجهه طارحاً أسئلته التي لا يستطيع الإنسان التهرب منها مهما حاول ذلك. لاحظت ولاحظ غيري، أن معظم من يغنون الآن، إن لم يكن جميعهم، يعيدون غناء أغنيات الزمن الجميل، فنطرب لها، ونسعد بها، وتصفق قلوبنا لألحانها وكلماتها. وفضلاً عن أن تقليد أو إعادة غناء ما غناه المطربون الأوائل لا تصنع مطربين جدداً. وأن المطرب الجديد لا بد أن يعثر على صوته وأدائه وطريقته في الغناء التي لا بد أن تختلف عن الأساتذة الكبار، مهما كانوا كباراً.