هنالك أكثر من خمسة ملايين من مواطني الولايات المتحدة حاليا يعانون من مرض الزهايمر، وهذا المرض هو الأكثر شيوعا من بين أنواع الخرف، حيث يعتقد الباحثون أن ثلث كبار السن الذين تجاوزوا السبعين عاما يعانون حاليا من مشاكل في الذاكرة بما يكفي للتأثير في روتين حياتهم اليومية. أما عن بلادنا، فقد وقفت على دراسة مسحية أجريت على نطاق مدينة واحدة في عام 1993م أجراها الدكتور الراجح وزملاؤه من قسم طب الأعصاب بجامعة الملك سعود، وذلك بهدف تحديد مدى انتشار الأمراض العصبية في مجتمعنا. في هذا الاستطلاع تم فحص ما مجموعه 32,227 من المواطنين، على اعتبار أن الخصائص الديموغرافية لهذه للمدينة تحت الدراسة مشابهة لبقية المدن في بلادنا، وقد كانت نسبة انتشار كافة أشكال الأمراض العصبية بمعدل 131 من كل 1000 شخص من السكان يعاني من مرض معين في الجهاز العصبي، كانت نسبة مرض الزهايمر ما يقارب 0.2 %، أي ما يقارب شخصين من كل 1000، أما على مستوى العالم، فقد وصل عدد الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر ما يزيد على 26 مليون مصاب في عام 2006م. ومن المتوقع زيادة معدل الإصابة الى أربعة أضعاف العدد الحالي بحلول عام 2050م، بحيث أن 1 من كل 85 شخصا سوف يكون مصابا بهذا المرض. وكما هو معلوم، فقد زاد متوسط العمر المتوقع بشكل كبير خلال العقود الماضية في جميع أنحاء العالم، وهذا شيء إيجابي بلا شك، ولكن للأسف فهذه الزيادة العمرية لها جانب سلبي يتمثل في أن الأمراض المزمنة بشتى أنواعها سوف تكون أكثر شيوعا لا سيما بين كبار السن. وحسب الاحصائيات المتوافرة، فإن اكثر من 155 مليار دولار يتم انفاقها سنويا لرعاية مرضى الخرف في جميع أنحاء العالم، وذلك لأن اكثر من 43 % من المرضى يحتاج إلى مستوى عال من الرعاية الطبية (على سبيل المثال: المراكز المتخصصة والطاقم التمريضي المتخصص). وقد أشارت دراسات حديثة الى أن النوع الثاني لمرض السكري (T2DM) يزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر (AD). لذلك، فإن هذه العلاقة السببية سوف تؤدي الى تزايد حالات الإصابة بمرض الزهايمر في السنوات القادمة بالتوافق مع تزايد حالات الإصابة بمرض السكري في مجتمعنا، الى جانب الزيادة المتوقعة في متوسط العمر كما أسلفنا. ففي عام 2004م، تشير الدراسة المعروفة التي قام بها الدكتور النزهة وزملاؤه في قسم طب الباطنة في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض الى أن نسبة انتشار مرض السكري في بلادنا تزيد على 23، أما في عام 2001م، فقد نشرت دراسة أخرى أجراها الدكتور خالد القرشي وزملاؤه في قسم الغدد الصماء في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، أشار فيها إلى نسبة انتشار مرض السكري قد وصلت الى 30، مما يشير بشكل واضح الى التزايد المستمر في معدل انتشار مرض السكري في مجتمعنا، وأسباب تلك الزيادة معلومة ليس هنا مجال لذكرها، أهمها الأسلوب غير الصحي في حياتنا، والمتمثل في قلة النشاط الرياضي الى جانب عادات الأكل. أين يتواجد مركز الذاكرة في داخل أدمغتنا؟ على مدى عقود، والكتب الدراسية، لا سيما في كليات الطب، تشير الى أن الحصين هو مركز الذاكرة، والحصين، او ما يسمى ايضا فرس البحر (Hippocampus)، هو جزء يقع في منتصف الدماغ، وقد سمي بفرس البحر، وذلك للتشابه من حيث الشكل الخارجي بينه وبينه فرس البحر المعلوم، وهو جزء ضروري لقدرتنا على تذكر أحداث الحياة، ولكن هنالك عدد من العلماء يشيرون إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة، حيث تشارك مناطق متعددة أخرى من الدماغ في موضوع تكوين الذاكرة. هنري مديسون، طفل اميركي، سقط من دراجته في سن السابعة، بعدها أصبح يعاني من نوبات تشنجية خفيفة في سن العاشرة، ازدادت شدتها بشكل ملحوظ بعد بلوغه سن السادسة عشرة، وفي نهاية المطاف، وتحديدا في عام 1953م، حينما بلغ سن السابعة والعشرين، أصبح السيد مديسون عاجزا تماما عن ممارسة حياته الاعتيادية بسبب شدة التشجنات، على الرغم من الجرعات العالية المضادة للصرع التي كان يتناولها. جراح المخ والأعصاب وليام بيتشر سكوفيل اقترح على السيد مديسون إجراء عملية تجريبية لعلاج مشكلته، هذه العملية قام بها الدكتور سكوفيل سابقا في لعلاج بعض الامراض النفسية، وبالفعل وافق المريض وكذلك عائلته على اجراء العملية. وفي العام نفسه، أي 1953م، قام الدكتورسكوفيل باستئصال الفص الصدغي (mesial temporal lobe) في كلا الجهتين اليمنى واليسرى من الدماغ، والتي تشتمل على الجزء المسمى فرس البحر (Hippocampus)، وقد كانت بالفعل عملية جديدة لعلاج الصرع، ولكن نتج عن هذه العملية عاقبة غير متوقعة: لقد أصيب السيد مديسون بتدهور شديد في ذاكرته، حيث ان الناس الذين التقى بهم السيد مديسون بعد اجراء العملية الجراحية باتوا غرباء بالنسبة له، وكأنه لم يعرفهم من قبل، بل والأماكن التي يزورها بعد العملية، يشعر كذلك بأنها جديدة عليه، وهو ما يعني أن الجزء المسمى ب (الحصين) يبدو بالفعل ضروريا لاسترجاع المعلومات المخزنة، الى جانب أهميته لتخزين أو ترميز (encoding) هذه المعلومات. في عام 1957م، نشر الدكتور سكوفيل دراسة أشار فيها الى أن الأجزاء أو التراكيب الموجودة في الفص الصدغي، لا سيما الحصين، هي جزءا لا يتجزأ من تكوين ذكريات أو ذاكرة جديدة. وبعد ذلك، وعلى مدى الخمسة العقود التي تلت هذه الدراسة، شرع أكثر من 100 من الباحثين بدراسة الذاكرة، والسلوك، ومهارات التعلم، مما جعل من السيد مديسون واحدا من المرضى الأكثر شهرة في تاريخ علم الأعصاب الإدراكي. وقد أثبتت معظم هذه الدراسات أن السيد مديسون كان لا يزال قادرا على تعلم وحفظ معلومات جديدة، فضلا عن تشكيل عادات جديدة واكتساب مهارات جديدة، ما يعني أن الحصين او الهيبوكمبوس، ليس هو المسؤول الوحيد عن استرجاع أو تشكيل الذاكرة، ومع ذلك فقد أظهرت الدراسات أن الحصين ضروري لمعالجة بعض المهام المتعلقة بالمكان الى جانب المهارات البصرية المعقدة، فضلا عن أنواع من العمليات اللغوية. توفي السيد هنري مديسون في عام 2008م (82 عاما). * مؤسس ورئيس مجموعة ساين للمخ والأعصاب