يصل خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى واشنطن، في أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة منذ تسلمه مهام الحكم. وربما تأتي هذه الزيارة في وقت مفصلي بالنسبة للعلاقات السعودية الأميركية. فالمتغيرات التي حدثت في المنطقة في الفترة الماضية، جعلت كثيرين يترقبون لهذه الزيارة، فكما يقولون، مياه كثيرة مرت من تحت الجسر. وليس سراً، أن التباينات السعودية الأميركية أثرت في المنطقة، بداية من الخطأ الأميركي في العراق، وتسليمه بطريقة غبية وساذجة لإيران. وبعدها الخلاف السعودي الأميركي المفاجئ تجاه ثورة 30 يونيو في مصر. وبعدها التراجع الأميركي المخجل، بعدما وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما خطه الأحمر تجاه استخدام سوريا للسلاح الكيماوي، واضطر لابتلاع هذا الخط والقبول بتسوية. وتأتي نهاية المطاف في الاتفاق النووي الإيراني، الذي يطرح أسئلة أكثر من إجابات، وربما السؤال الأكثر إلحاحاً من هذه الأسئلة هو، هل مشكلة إيران فقط في السلاح النووي، أم أنها في ممارسات إيران السياسية، وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، واستنادها إلى سياسة طائفية، أثارت قلاقل ومشاكل في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. هذه الأسئلة تطرحها الرياض وبقية العواصم الخليجية، بينما واشنطن مشغولة بالاحتفال بهذا الاتفاق، وتسعى لتمريره داخلياً من خلال الكونغرس، وخارجياً بإقناع بقية الدول بجدوى هذا الاتفاق وأهميته. الخليجيون قالوا كلمتهم بوضوح، هم يرغبون في منطقة خالية من السلاح النووي، ولكنهم أيضاً يرغبون في منطقة خالية من المشاكل السياسية والحروب والميلشيات، وهذه أيضاً ترتبط بإيران. السعوديون يدركون أن العلاقات الثنائية بين البلدين استراتيجية، ولها تاريخ عميق، يمتد إلى بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي. وهي العلاقة التي مرت بمراحل مختلفة من الصعود والهبوط، ولكن أسس العلاقة وتشابك المصالح، أعطى لها مناعة بأن تستمر بقوة في كل الظروف، وكانت صمام أمان للمنطقة في مراحل مختلفة من تاريخها السياسي. وما زال السعوديون يؤكدون على أن هذه العلاقة هي استراتيجية ومهمة للبلدين، وأن اختلاف وجهات النظر في قضايا معينة، لا يعني الطلاق الفاصل بين البلدين. وهذا النضوج في العلاقات الثنائية، يعطي بعداً مهماً للعلاقة، وأيضاً لهذه الزيارة. فواشنطن كانت دائماً ما تلجأ للرياض في قضايا المنطقة كمرجعية للاستشارة والتنسيق. والسعودية، وهي دولة تمارس سياسة معتدلة متوازنة، بعيدة عن التطرف والاندفاع، أعطى لها مصداقية وثقة في المحافل السياسية الدولية. وهذا يعني أن الدولتين تحتاجان إلى بعضهما بعضاً، الآن وفي المستقبل. النظرة التحليلية التي يسوق لها البعض، من أن واشنطن ليست في حاجة إلى النفط السعودي، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة لن تستمر في تحالفها الاستراتيجي مع السعودي، هي نظرة قاصرة. السعودية ليست مجرد برميل نفط، هي دولة مؤثرة في السياسة الإقليمية، وتحتضن الحرمين الشريفين، وقوة اقتصادية كبيرة، وعضو في مجموعة العشرين. عدا أن العالم يحتاج إلى دولة معتدلة وراسخة مثل السعودية، في إقليم ممتلئ بالمشاكل والحروب. وبالتالي، فالعوامل التي تجعل من العلاقات السعودية الأميركية مهمة للبلدين، أكثر بكثير من نقاط الاختلاف في قضايا معينة. الملك سلمان، وهو رجل في دائرة صنع القرار السياسي أكثر من نصف قرن، بحكم كونه المستشار الأقرب للملوك السعوديين السابقين، يدرك أبعاد العلاقات الثنائية بين البلدين، وفي نفس الوقت، يملك الحزم المهم في أخذ المبادرات مباشرة، كما حصل في عاصفة الحزم، التي قادتها السعودية، وكانت واضحة الرسالة، أننا أدرى بأوضاعنا في المنطقة، ولن نقف على عواصم العالم ننتظر من يتكرم علينا بأخذ قرار. بل هو قرار عربي خالص، مبني على المصالح العربية التي لن تسمح بأن يصبح الفضاء العربي حقاً مشاعاً لقوى إقليمية في المنطقة، لديها طموح توسعي واضح. في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، القوي يكسب احترام الجميع. والقوة ليست فقط مبنية على الجانب العسكري، بل هي في القدرة على التأثير وصناعة التحالفات السياسية. ولذلك، مثلت دول الخليج، كمنظومة واحدة من القوى السياسية المؤثرة في المنطقة، وكان التنسيق المتقدم بين السعودية ودولة الإمارات، محوراً مهماً في ملء الفراغ في التوازن الإقليمي العربي، ومنح دول الخليج والعرب عموماً ثقلاً سياسياً في الساحة الدولية. والخليجيون ككتلة مع مصر، لديهم فرص جيدة لإنقاذ النظام الإقليمي العربي، ومنع الفوضى العارمة في المنطقة. وهم متى ما توحد الموقف السياسي، سيكون لهم تأثير في قرارات الدول الكبرى، في ما يخص المنطقة. ولذلك، هي مسؤولية دول المنطقة، وهو الرهان الأهم لها لكسب التأييد والدعم الدولي. من الجانب الآخر، تدرك واشنطن أن السعودية وقفت ضد الإرهاب، وتقوم بحرب على كل المستويات من أجل تحجيم خطره. وتكشف النجاحات الأمنية للسعودية، أهمية دور الرياض، فهي قبل أيام، قبضت على العقل المدبر لهجمات الخبر، أحمد المعسل، بعد تسعة عشر عاماً من البحث والمتابعة. وهي، أي السعودية، سبق أن قدمت معلومات مهمة للولايات المتحدة أحبطت هجوماً انتحارياً كان مقرراً تنفيذه في طائرة فوق ديترويت عام 2009، كما كشفت عن قنبلة كانت مخبأة في حاوية حبر خاصة بطابعة على متن طائرة متجهة إلى شيكاغو في أكتوبر 2010. وبخلاف التعاون الاستخباري والأمني، يدرك الأميركيون أن السعودية لاعب مهم في محاربة الإرهاب، وهي التي دفعت ثمناً من أمنها وسلامتها، جراء محاربتها للمنظمات الإرهابية. تشابك المصالح السعودية الأميركية وعمقها التاريخي، يجعل من الصعوبة، المجازفة بهذه العلاقة. ووجود خلافات تكتيكية أمر طبيعي بين أي بلدين. ومن المهم استثمار هذه العلاقة وتطويرها لمصلحة السعودية أولاً وقضايا المنطقة.