×
محافظة المنطقة الشرقية

10 مرشحين في اليوم الأول بالأحساء

صورة الخبر

الحرب ظاهرة قديمة جدا، قدمت لها مختلف التفسيرات الاقتصادية والنفسية والبيولوجية. من السهل أن نفهم لماذا تسهل تهيئة الناس للحرب بإثارة تعصبهم القبلي أو الديني أو القومي، وإثارة مشاعر الكراهية والنفور لديهم ضد من كانوا من جنس مختلف، أو يعتنقون دينا مختلفا أو يحملون جنسية غير جنسيتهم، ولكن النجاح فى إثارة هذه المشاعر العدائية ضد الغير لا يتعارض مع كون الدوافع الأصلية للحرب دوافع اقتصادية. هذه الدوافع الاقتصادية تتغير مع تغير الظروف وتطور التكنولوجيا، فالاستيلاء على ماشية وأغنام الغير قد تكون دافعا كافيا للحرب في عصر، وغير كافية في عصر آخر، حين تصبح الزراعة هي النشاط الرئيسي بدلا من الرعي. وفي عصر الصناعة قد يصبح الدافع الرئيسي للحرب الاستيلاء على مزارع القطن أو مناجم الفحم والحديد، لتزويد المصانع بما تحتاجه من مواد أولية. وعندما يزيد فائض الإنتاج على حاجات السوق المحلي، قد تشن الحرب لفتح أسواق جديدة... الخ. ولكن في جميع الأحوال، لا يقال للناس السبب الحقيقي للحرب، بل تبرر الحرب إما بالرغبة في التخلص من عدو شرير، أو في نشر مبادئ الدين الصحيح، أو تحويل أمم همجية إلى أمم متحضرة، أو الدفاع عن حقوق الإنسان، أو حتى القول بأن الغرض من الحرب هو عكسها بالضبط وهو السلام. كل هذه التبريرات استخدمت عبر عصور التاريخ المختلفة، بما في ذلك القرن العشرون، الذي شهد حربين عالميتين في فترة لا تزيد على 25 عاما، راح ضحية الأولى 17 مليونا من البشر، وراح ضحية الثانية ستون مليونا. وعندما ألقيت في نهاية الحرب الثانية القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي في اليابان، وراح ضحيتها أكثر من 130 ألف قتيل، كانت أقوى حجة قدمت لتبريرها هي أنه لو لم تلق القنبلتان لكان عدد الضحايا أكبر. ها قد مر الآن، منذ أن ألقيت هاتان القنبلتان، سبعون عاما، حدثت خلالها أشياء كثيرة، من أهمها ما يعرف بظاهرة العولمة، التي أحدثت تغيرات مهمة في طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الأمم، حل بسببها الاعتماد المتبادل بينها محل التنافس، ولم تختف المنافسة الاقتصادية بالطبع، فاستمر الإنفاق على التسلح، واستمر التلويح بالحرب يستخدم لخدمة المصالح الاقتصادية.. ولكن أصبح من الصعب تصور نشوب حرب من نوع الحربين العالميتين، حيث يصطف جيش دولة أمام جيش دولة أخرى، وتستمر الدولة في ضرب الدولة المعادية لها حتى تعلن استسلامها. فالتطور الذي حدث في الأسلحة أصبح يهدد بفناء الجميع، الضارب والمضروب. كما أدى الاعتماد المتبادل وتشابك المصالح إلى أن أصبحت الخسارة الاقتصادية بدورها تشمل الجميع، إذ من الصعب في عصر الشركات متعددة الجنسيات، تحديد جنسية الضارب والمضروب، وقصر الأضرار الاقتصادية على طرف دون آخر. التنافس الاقتصادي مازال موجودا، ولكن حدود المصالح الاقتصادية المختلفة لم تعد متطابقة مع الحدود الجغرافية المألوفة، الضرب والقتل والتدمير مازالت وسائل مفيدة لفرض إرادة على أخرى.. ولكن هذه الوسائل كان لابد أن يتم تطويرها لتصبح مثل الشركات أي عابرة للقارات. لم تعد الحدود السياسية للأمم هي التي تحدد متى تبدأ المصالح الاقتصادية ومتى تنتهي، ومن ثم فلابد أيضا أن تصبح أعمال القتل والتدمير خفيفة الحركة، قادرة على القفز فوق هذه الحدود، مثلما تقفز السلع والمعلومات. ولكن هذا التغير فى طبيعة القتل والتدمير كان لابد أن يستدعي أيضا تغيرا في مفهوم العدو العدو لابد أن يظل بالطبع، كما كان دائما مكروها ومحتقرا، ولابد أن تظل صورته في أذهان الناس كصورة الوحش المفترس عديم الضمير، ولكن لم يعد ممكنا أن توجد هذه الصورة مع صورة دولة أو أمة بعينها. فما رأيكم الإرهاب كبديل؟ الإرهابي خفيف الحركة، قادر على القفز فوق الحديد، وعلى التنقل من موقع داخل أي دولة إلى موقع آخر في دولة أخرى، وأن يستخدم مختلف أنواع الأسلحة، الخفيف منها والثقيل، حسب الحاجة في كل موقع. وهو فوق ذلك عديم الهوية، لا يفصح اسمه (الإرهابي) عن أي جنسية أو هدف، فقد يكون الهدف دينيا تارة، وقوميا تارة أخرى، أو مجرد الحقد الدفين غير محدد السبب. وهو بعكس المحارب في الحروب التقليدية، كثيرا ما يكون ملثما، ولكنه مع ذلك ذو سيطرة مدهشة على وسائل الإعلام، وعلى مصادر الأسلحة والذخيرة، بل وعلى البنوك ومصادر التمويل. وللإرهاب، فضلا عن وظيفة الردع لأي تهديد لمصلحة اقتصادية لدولة أو شركة، له وظيفة أخرى لا تقل أهمية وهي تبرير الاستمرار في إنتاج الأسلحة التي تمثل بذاتها مصدرا مهما للأرباح. خلال الثلاثين عاما الماضية، أي منذ بداية التفكك في المعسكر الاشتراكي، زاد بشدة الحديث عن الإرهاب، حتى استقر في أذهان الناس أنه هو العدو الجديد، بل يكاد أن يصبح هو العدو الوحيد، رغم أنه يتخذ صورا مختلفة في البلاد المختلفة: يدمر برجين شهيرين في نيويورك، ثم ينتقل إلى تدمير القطارات ووسائل المواصلات وتهديد ركابها في إسبانيا وبريطانيا، دون توضيح الدافع بالضبط، ثم يهدد المدن العربية ويحرق القرى بهدف إنشاء خلافة إسلامية. الخ. وأثناء ذلك يستمر تفتيش الناس بطرق غريبة لدى ركوبهم الطائرات أو دخولهم الأماكن العاملة. المهم أن يستمر هذا التخويف بمختلف الوسائل حتى يستقر في أذهان الناس أن الإرهاب ظاهرة حقيقية، وأنها مستمرة حتى بعد قتل قائدها وإلقاء جثته في البحر، إذ لا يمكن أن يكون للإرهاب اسم يردد يوميا دون انقطاع، عبر ثلاثين عاما، دون أن يكون له وجود حقيقي، أو هكذا يتصور الناس.