كرة القدم اختراع بشري كتب اسمه ولا يزال في سجل الإبداع البشري الإنساني الذي حاز على القبول والجماهيرية المطلقة التي لا تحدها حدود الزمان والمكان. وجماهيرية الكرة هنا ليس لذاتها فنحن حين نتأملها كمادة أو لعبة مجردة فهي كرة مستديرة تركلها الأقدام في طول الملعب وعرضه بهدف إدخالها في الشباك هنا أو هناك ولكن بالطبع لا ينظر للأمور بهذه الصورة السطحية المجردة البسيطة، فهذه الكرة اصبحت الآن تمثل إمبراطوريات مالية وجماهيرية وإعلامية ضخمة وأصبحت استثماراتها بالمليارات ما يعادل ميزانيات دول كاملة. إن لكرة القدم فلسفة جمعت بين الرياضة والمتعة والمال والإعلام والجماهير لتكون خلطة سحرية ذات نكهة دولية عابرة للقارات والمحيطات. ويبدو أن كرة القدم كلعبة تنافسية تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت لجمهورها ذلك أنها استحوذت على الحيز الأكبر من كعكة المشاهدة لمتابعين من مختلف الأعمار وهذا بالتالي ينعكس بشكل تلقائي على استئثارها بالمساحة الأكبر والأغلى من المساحة الإعلانية التي تعتبر الوقود والطاقة لوسائل الإعلام بمختلف مسمياتها وأنواعها. ويبقى لمجنونة الجماهير كما تسمى جانب إيجابي وهي أنها أوجدت نافذة ترفيهية مقبولة في مختلف المجتمعات فأصبحت لعبة عابرة للحدود وهنا يكمن السؤال: كيف استطاعت هذه اللعبة أن تحظى بهذه الجماهيرية وتمتلك هذه الجاذبية؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من إمعان النظر في المؤثرات الرياضية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية المتعلقة بهذه اللعبة تأثيراً وتأثراً. وأتى (سوبر لندن) المسمى الذي انتشر لدى مستخدمي الشبكات الاجتماعية والذي أقيم بين قطبي العاصمة الهلال والنصر ليكون من المناسبات الرياضية المحلية اللافتة في موسمنا الرياضي ذلك أنها المنافسة المحلية الأولى التي أعطيت هذه النكهة الخارجية الدولية في اختيار عاصمة الضباب لتكون مكاناً للإقامة والتتويج. وقد حملت هذه التجربة الجديدة منذ إقرارها كثيراً من الآراء والاختلافات بين مؤيد ومعارض وهذا أمر مقبول ومتوقع عطفاً على مكانة الفريقين وجماهيريتهما وكذا على تجربة جديدة بهذا الحجم. إلا أن ما استوقفني من مجموع الآراء المتعددة أن بعضها حمل الأمر أكبر مما يحتمل مع طرح كمية كثيفة من التوجسات والتوقعات التي لا تمت بصلة لمناسبة رياضية وحيدة وتجربة تنافسية فريدة، هذه التوجسات التي استبقت الحدث ليتها كانت نابعة من تصور دقيق أو دليل ملموس فكيف يحكم هؤلاء على أمر لم يلمسوه أو يشاهدوه أو أن يصدروا حكماً على أمر لا يملكون عليه دليلاً واحداً؟!. إن أكثر ما يقلقني أن مستوى النقاشات لدينا يعتمد على الأحكام المسبقة التي تصنع مواقف ضدية متوترة مسكونة بسوء الظن من كل جديد دون أن يكون لها أي أرضية من الحوار الهادف أو النظرة الموضوعية التي تهدف للحق والإنصاف. إننا نستبق الأحداث بالأحكام المعلبة الجاهزة وهذه معضلة في بنيتنا الفكرية تحتاج إلى إعادة النظر في طريقتنا في النظر للآخر أياً كان ذلك الآخر وسواء كنا معه على اتفاق أو اختلاف. وإنني أتساءل مرة أخرى: ماذا لو انتظرنا هذه التجربة حتى تكتمل وتنتهي ثم قيمناها التقييم الصحيح بعد النظر من خلالها وفيها من مختلف الجوانب هنا نكون منصفين وقريبين جداً من الحقيقة ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقال. أنا على قناعة أن سوبر لندن الذي قص شريط منافساتنا المحلية لموسم جديد هو مناسبة رياضية واحدة لبطولة مهمة إلا أن ما حدث قبل السوبر وأثناءه وبعده جدير بأن نتأمله ونضعه تحت عدسة مكبرة ليعطينا صورة بالغة الدقة لطبيعة تعاطي مجتمعنا مع أي جديد يتجرأ بالدخول إلينا بعد تخطي وتجاوز أسوارنا العالية وحصوننا العاتية.