حين أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين كان أحد أسباب ذلك؛ هو سقوط الخلافة العثمانية والاستعمار البريطاني لمصر، ومن ثم كان يسعى إلى تشكيل التنظيم بيد تحمل الدعوة والوعظ إلى الدين الحنيف، ويد أخرى تسعى إلى وجود جنود مدربين؛ يكون ذراعاً عسكرياً للجماعة، وما هذا إلا إيماناً منه بأن دعوة الجماعة من دون ذراع عسكري سينتج كياناً هشاً؛ يسهل على أي نظام أن يكسره، متى ما وصل معه للحظة خصام. ولأن للسياسة لذة، فقد كان أحد أهم الأخطاء التي قامت بها الجماعة في ذلك العهد هو الدخول في الصراع بين حزب الوفد والقصر، وكان الجهل السياسي مؤداه الظن بأن الولوج إلى السياسة عبر كون الجماعة رقماً سياسياً صعباً في المشهد السياسي، وفي واقع الأمر لم يكن الإخوان أكثر من أداه في يد أحد طرفي الصراع. في ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨ قام عبدالمجيد أحمد حسن عضو النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين «الذراع العسكري»، باغتيال رئيس الوزراء محمد النقراشي باشا، بعد تنكره بزي عسكري، إذ حيّا رئيس الوزراء قبل ركوبه المصعد، ثم أصابه بثلاث رصاصات في ظهره، وفي موضع الإصابة رمزية لعقلية الجماعة عبر العصور، هذه الحادثة دفعت حسن البنا نفسه لاستنكار الحادثة ومحاولة التبرؤ منها، عبر وصف عناصر العملية بالمقولة الشهيرة «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين». ومع قيام ثورة ٥٢ تراوح الإخوان بين الموالاة والمعارضة، وهذه ليست المشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة كانت هل هذا التحرك كان بإرادتهم، أم أنهم لم يكونوا أكثر من أحجار شطرنج تُحرَّك ولا تُحَرِك، في عهد عبدالناصر كانت جذوة عداوتهم للدولة، وزاد استعداؤهم للدولة بعد حادثة المنشية ومحاولة اغتيال الرئيس، فكان رد فعل عبدالناصر قاسياً عبر إعدام قيادات إخوانية على رأسها سيد قطب، وعهد السادات كان أبرز عصر عبّر عن تحول الإخوان لأداه سياسية، إذ أخرجهم من السجون ليضرب بهم اليساريين، الذي كان السادات غير مقنع لهم بعد عبدالناصر. في انتخابات البرلمان ٢٠٠٥، والتي حاز فيها «الإخوان المسلمين» ٨٨ مقعداً، كان شعار الحملة «الإسلام هو الحل»، ولم يكن الشعار ناجحاً بمفرده، بقدر ما كان التصويت الضدي حول الحزب الوطني مؤثراً، إضافة إلى تقصير نظام مبارك في مجال الخدمات التعليمية والصحية والخيرية، وهو الفراغ الذي ملأه «الإخوان» عبر أعوام، مما شكل أرضية شعبية للجماعة أدت للوصول إلى هذا العدد من النواب. بعد 25 يناير كان لافتاً تخلي جماعة «الإخوان المسلمين» عن شعار: «الإسلام هو الحل»، وكان مدعاة ذلك دخول السلفيين لمعترك السياسة، بعد أن كانوا يحرمون ذلك قبل سقوط مبارك، ومن ثم أدركت الجماعة أنها لكي تستمر؛ يجب أن تبحث عن شعار يسوق بضاعتهم خارج نطاق المريدين، واتبعوا خطوات من ذر الرماد على العيون، كان منها وضع شخص مسيحي نائباً لحزب الحرية والعدالة. هذه العودة لتاريخ الجماعة وجب استرجاعها في اللحظة التي نعيشها، إذ يمارس الحركيون في السعودية - سواء المنتمين للجماعة أم القريبين فكرياً - جهلاً سياسياً جديداً، عبر غياب للوعي عن مؤشرات الإدارة الجديدة في المملكة، كما أن المزايدة بالدين في بلد كل سكانه من المسلمين هو عبث سياسي، الدولة حاضنة لكل أبنائها مهما اختلفت مشاربهم، ومن مسؤوليات الدولة حماية الشعب والوطن من بعض أبنائها قبل أعدائها، إذا ما دفعهم الهوى إلى محاولة النخر في جدار الدولة المتين.