×
محافظة حائل

عام / أمير حائل يستقبل عضو هيئة حقوق الإنسان

صورة الخبر

تحدث الكثير عن الأخلاق، التي هي قبل كل شيء سلوكيات إيجابية تعتبر جزءا من شخصياتنا، من المفترض أنها غرست بداخلنا منذ الصغر من خلال المراقبة والتقليد، نعم كنا نسمع الكثير من النصائح والخطب ولكن لا نكتسب أيا منها سوى من خلال الخبرة، وبالتالي تظهر على شكل سلوكيات راقية أو ذميمة، والذي يؤلم حقا أن نرى أنه بالنسبة للكثير، مع احترامي للجميع، أصبحت السلوكيات الراقية والسامية عملة نادرة، وكأنه من الواجب علينا في هذا العصر العاصف ومع كل ما نواجه من تعديات على الإنسانية والسلام أن نتحمل أيضا سلوكيات مستفزة قد تخرجنا عن طورنا أحيانا، وأحيانا أخرى تجعلنا ننفجر! تقف في الطابور أمام متجر أو مؤسسة خدمية ما، وفجأة تسمع عزفا "لطرطقة" لبان في فم إحداهن! تستدير وتنظر إليها فلا تستطيع أن تتأكد من ردة الفعل من خلال الحاجز الأسود على وجهها، ثم تعود إلى وضعك ولكن لتجد أن المعزوفة ما زالت مستمرة وربما على وتر أقوى وتسارع في إطلاق الفرقعات! ماذا تستطيع أن تفعل؟ هل تمد يدك في فمها وتخرج هذه المادة الحضارية من بين فكيها؟! لا يمكنك سوى أن تضغط على أعصابك وتصك أسنانك وتتمنى أن تنطلق عقارب الساعة لينتهي عذابك! تدخل مبنى ما وتتجه نحو المصعد فيسبقك أحدهم وتدخل ويسارع في ضغط زر الطابق الذي يقصده دون أن ينتظر وصولك وما بينك وبينه سوى عدة ثوان! تصل إلى باب مبنى قاعات المحاضرات وتفتحه وتمسك به ذوقيا لمن بعدك، فتدخل واحدة بعد الأخرى وتظل أنت واقفا تنتظر أن تمسك بالباب إحداهن كي تكمل طريقك، ولكن يدخلون جماعات وزرافات وكأن الواقفة على الباب مستخدمة عينت خصيصا من أجل فتح الأبواب لهن! هنا تجبر على أن توقف إحداهن تسلمها الباب... تشكرها وتدخل المبنى. تقف على باب مشفى فتجد أمامك طفلا على كرسي متحرك، لا يمكن أن تصف شكلا معينا له، كل ما به يدل على تشوه خلقي.. ترسل ابتسامة لا تصل... تقترب فلا يرفع رأسه بل يدفعه نحو الحائط أمامه كأنه يريد أن يختفي بين ذرات يسعى لاختراقها... تبتعد وتلاحظ في الوقت نفسه نظرات المارة بعضهم مشمئز وبعضهم فضولي وبعضهم لا يشعر أصلا بنبض روح معذبة تئن في زاوية! ويصدف في اليوم الثاني أن تمر فتجده ثانية وفي المكان نفسه فتبتسم ثانية ولكن هذه المرة تقترب وتحتضن الطفل وتقبله.. وتشعر بنظرات القرف والاستغراب تكاد تخترق ظهرك، فتستدير وترمقهم بنظرة تحدٍّ، ثم تعود للملاك لتحدثه وهذه المرة تجد أنه رفع عينيه لينظر إليك محاولا أن يفسر هذه المشاعر من إنسان غريب عليه، وفي المرة الثالثة تشعر بعينيه تراقبان خطواتك وكأنه ينادي أنا هنا هل رأيتني.. وتعانق وتقبل وتتحدث، ونفس ردة الفعل من المارة! هنا تريد أن تصرخ قائلا ما رأيكم في أخذ صورة للذكرى؟! الذي يقهر حقا أنهم يتصرفون وكأنك أنت غريب الأطوار وهم الطبيعيون! تقف سيارتك أمام المبنى وتستعد للنزول، وما إن تخرج من السيارة حتى يضرب السائق الذي خلفك "زمورا" معلنا ملله! فتشعر وكأن الصوت اخترق كيانك كله ليرجه رجا.. ماذا ينتظر؟ هل يعتقد أننا يجب أن نقفز من قلب السيارة إلى داخل المبنى بلمح البصر! تتمنى حينها أن تقف ولا تتحرك وتتركه يطلق كل زماميره إلى أن تنفجر ولكن هذا يعني أنه أجبرك على التصرف بسلوكيات تنحدر إلى مستوى سلوكياته! تسير في الأروقة وتسمع كلمات تطلق من بعض الطالبات، يقف شعر رأسك لمجرد سماعها، فلا تجد أي ردة فعل ممن هن حولهن وكأن هذه الكلمات من مفردات الترحيب والتأهيل والسعادة باللقاء! وهنا يجب أن تقرر إما أن تتعداهن أو أن تقف وتفكر بسرعة كيف يمكن أن تصحح هذا السلوك بطريقة تشد للإنصات وبالتالي التقبل وربما يتم التغيير فيما بعد، تتسارع الأفكار برأسك ويتم اختيار الاستراتيجية الملائمة للموقف، ترتدي ابتسامة.. تلتفت ثم تتجه إليهن وتبدأ بالتنفيذ، منهن من تتقبل ومنهن من تنظر إليك وكأنك هبطت للتو واللحظة من كوكب المريخ! وأنا متأكدة أن للقراء سيلا من الخبرات السلبية بعضها يروى وبعضها لا يروى عمن نعيش، ونعمل، ونتعلم منهم أو معهم، أو من يصادف وجودهم في مساحة وجودنا في مكان أو ظرف ما.. لذا أجد أننا أصبحنا فعلا بحاجة إلى جرعة أخلاق، نضربها في الأوردة ونعيد ونكرر حتى يتم الإدمان.. لأنه كما تم الإدمان على السلوكيات الذميمة، يمكن أن نقلب الطاولة ونحول هذا الإدمان من سلبي إلى إيجابي، فلما لا نعلن حملة تطعيم لنقضي على هذه الفيروسات التي هاجمت مجتمعاتنا؟ لأننا يا سادة بما أننا تخلينا عن زرع الأخلاقيات الحميدة فلا نتوقع أن نحصد غير ما تركناه يجري في تربتنا ويسممها، وعليه لا يتم التدخل سوى عن طريق التطعيم، وهنا أتحدث طبعا مجازيا، أي من خلال حملات توعوية على نطاق واسع يكون لها شعار رنان وجاذب أسوة ببقية الحملات التي لا يمر يوم إلا ونسمع عن واحدة جديدة.. فواحدة أخرى لن تثقل كاهلا أو تكسر خاطرا أو تثني ظهرا.