تتجلى عبقرية العرب والمسلمين الفنية في المباني والعمائر المدنية وبصفة خاصة في المساجد والأبنية الدينية، وللقباب في المساجد دور جمالي رائع لا تكاد العين تخطؤه، حيث تشكل القبة والمئذنة صورة جمالية تضفي على المسجد توازناً في الشكل يرتاح إليه النظر، وما ذلك إلا دليل واضح على تمكن المهندسين المسلمين من رسم لوحة متكاملة للمسجد تشكل إبداعاً معمارياً يطغى على الكتلة الحجرية الجامدة. ظهرت القباب في المباني عموماً أول الأمر في آسيا، ثم انتقلت إلى الفرس واليونان فالرومان قبل أن يتلقاها المسلمون، واللمسة الجمالية الخاصة بالفن الإسلامي كانت حاضرة منذ أول قبة شيدت في عمائر الأمويين وهي قبة الصخرة، التي أمر عبد الملك بن مروان بتشييدها في عام 72 ه، وعلى الرغم من أنها جاءت قبة حجرية على هيئة نصف كرة أي إن عقدها على هيئة نصف دائرة، كما في المنشآت الرومانية والبيزنطية، إلا أن الزخارف الداخلية للقبة كانت حافلة بشتى أنواع الزخارف النباتية والهندسية، ناهيك عن استخدام الخط العربي كعنصر أساسي يسجل تاريخاً، ومما يؤسف له أن القبة الحجرية الأصلية لقبة الصخرة تداعت أركانها وتفتت أحجارها بسبب الزلازل التي ضربت القدس، حتى لم تفلح محاولات ترميمها واضطر المعماريون في نهاية المطاف إلى استبدال القبة الحجرية بهيكل خشبي مغطى بألواح أو رقائق معدنية مذهبة. ويعود الانتشار الواسع لاستخدام القبة في العمارة الإسلامية والعناية بزخرفتها من الداخل والخارج إلى أن المساجد الجامعة الأولى اتخذت لنفسها من الجامع الأموي مثالاً يحتذى، وقد زود هذا المسجد منذ تشييده في عهد الوليد بن عبدالملك بقبة فوق بلاطة المحراب، وهو ما تطور لاحقاً إلى استخدام قبتين إحداهما في أول بلاطة المحراب من جهة الصحن والثانية فوق مربع المحراب في نهاية البلاطة وزاد الفاطميون بعد ذلك قبتين صغيرتين في طرفي رواق المحراب. وأثرت الروح الزخرفية للفن الإسلامي في هيئات القباب الخارجية لتمنحها مظهراً مبهراً تتجلى روعته عندما تظهر الظلال مدى الإتقان الفني لزخارف القباب، حيث دفع فزع الفنان المسلم من الفراغ أي ترك الأسطح ملساء دون زخرفة إلى التخلي سريعاً عن خوذة القبة الملساء واللجوء إلى استخدام خوذات القباب المضلعة، وهو ما نراه ماثلاً إلى اليوم في قبتي ظلة القبلة بجامع سيدي عقبة بن نافع في تونس والتي يعود بناؤها إلى أواسط القرن الثالث الهجري. ومن اللافت للنظر أن القباب في المساجد قد ظهرت لتحقيق وظائف أساسية أهمها زيادة كمية الإضاءة والتهوية بمنطقة المحراب وتضخيم صوت الإمام عند وقوفه للقراءة أمام المحراب بأسفل القبة مباشرة، ولكن سرعان ما أصبحت وظيفتها الزخرفية على ذات المستوى من الأهمية من ناحية الغرض الإنشائي فتبارى المعماريون في إكساب الخوذات من الخارج مظهراً جمالياً متفرداً ومبتكراً، بينما ترك أمر الزخارف بداخل القبة للفنانين من المزخرفين والخطاطين. وتأتي عبقرية إنشاء القباب وجعلها حلاً معمارياً رائعاً لكثير من المشكلات البيئية والهندسية من كون القبة في حقيقتها قوساً تم استخدامه بمهارة رائعة في العمارة على مر العصور وأحسن المسلمون استخدامه وتوظيفه بنائياً ورمزياً. وجاءت القبة في أشكال مختلفة فهناك القباب الخشبية، وهي التي وجدت في بداية الأمر كقبة الصخرة في القدس (72ه)، وكذلك كانت قبة الإمام الشافعي (608ه) الأولى خشبية، وقبة جامع بيبرس (655 667ه)، وهناك القباب الحجرية، أو المصنوعة من الطوب، ومنها قبة مسجد الغوري (909ه)، وقبة أروقة الجامع الأقمر في القاهرة (519ه)، وقبة مسجد السلطان سليمان ( 1609م ) في اسطنبول. أما القباب الحديثة، فهي بوجه عام تقوم على هيكل حديدي (أسياخ معدنية متشابكة) يصب فوقه الأسمنت المخلوط بالجص، فإذا جف بلغ الغاية في المتانة والتماسك، وبواسطة هذه القوالب التي يصب فيها الأسمنت لصنع القبة أمكن التحكم في حجم القبة وشكلها ومتانتها إلى حد بعيد.