لم يكن حواراً عادياً ذلك الذي أبدعته الرواية العربية مساء أول من أمس في جزيرة المجاز بالشارقة، في أولى جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي، فحين يلتقي المبدعون ومقتنصو أرفع الجوائز الأدبية في مكان واحد، فلا شك بأن الرحلة معهم ستكون ممتعة، غنية وثرية بلا حدود. وها هي ندوة حوار الرواية العربية تفتتح أبواب المجلس الرمضاني في موسمه الرابع، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، وعدد كبير من المهتمين بهمس الرواية وتحدياتها ودورها في إثراء الحوار بين الثقافات، كشكل إبداعي يقدم تفاصيل الحياة في قالب أدبي راقٍ. تحدث في الندوة أربعة من الروائيين العرب، الفائزين بجوائز أدبية مهمة، وهم الدكتور شكري المبخوت، الروائي التونسي الفائز بجائزة الرواية العربية البوكر 2015 عن روايته الطلياني، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، الفائز بجائزة البوكر لعام 2014 عن رواية ساق البامبو، والروائية والزميلة ريم الكمالي التي استحقت روايتها سلطنة هرمز جائزة العويس للإبداع لعام 2015، والروائية والكاتبة السعودية سارة مطر التي نشرت مؤلفات عدة أشهرها قبيلة تدعى سارة، وأنا سنية.. وأنت شيعي، وإنما أنت حبيبها، وغيرها. تحرر وقمع أدارت الإعلامية والشاعرة الدكتورة بروين حبيب الحوار بدأته باستعراض واقع الرواية المعاصرة في الوطن العربي وما تلاقيه من دعم وتحديات، لتأخذنا في رحلة مع حكايات الجدات القديمة، وتعرج بنا على وعي صنعته السنوات كلما كبرنا، لتحط بنا في النهاية على عتبات الرواية في المشهد العربي المعاصر. الرواية لا تستأذن أحداً، تولد وقتما وأينما تشاء هكذا بدأ الروائي والأكاديمي شكري المبخوت حديثه، مؤكداً أن الرواية تُخرج جميع المكبوتات إلى السطح، لافتاً إلى أنها تطرح مشكلة تحرير الخيال والجسد واللغة وتحريرها، ومتسائلاً: هل يمكننا أن نكون أحراراً بينما خيالنا مقموع؟ وذكر المبخوت أن الرواية تقدم شيئاً يستحيل على علم التاريخ أو الاجتماع تقديمه، فهي تعالج الإنسان بسياقه الحقيقي في حياته اليومية لتطرح همومه وآلامه، واصفاً إياها بأرشيف الوجع الإنساني. وأكد أن عالمنا العربي متخم بالقضايا التي تستحق الكتابة عنها، وأن الرواية أساسها الصراع والحيرة والقلق، لافتاً إلى أنها ترتبط بالمدينة ارتباطاً وثيقاً، وأننا نحتاج إلى الجرأة لتناول الواقع، وإلى العين التي تلتقط الزاوية المناسبة لطرح القضية. أرق وبشغف لا مثيل له، تحدثت الكاتبة ريم الكمالي عن روايتها سلطنة هرمز، لتعود من خلالها إلى طفولتها والظروف التي رافقتها في كتابتها، مشيرة إلى أنها عاشت في رأس الخيمة في قرية صغيرة مياهها كالسكر، تحيطها الجبال القاحلة، ويمتد أمامها البحر المطل على مضيق هرمز، وهذه الصورة شكلت دافعاً لها لكتابة رواية تاريخية، اعتمدت فيها على الكثير من المراجع والجهد البحثي، إضافة إلى السفر الذي نمى ذائقتها الإبداعية وساهم في تكوينها. كما تحدثت الكمالي عن تقنية الرواية لافتة إلى أنها تشكل لها أرقاً، ومشيرة إلى أن تاريخنا حافل بالانتصارات والهزائم، ولكن الأهم من كل ذلك الإنسان المهمش المنسي، ومؤكدة أن السؤال يخلق الفكرة ويشجع على البحث، وأن الرواية مرجعها الخيال. محلية وتحدث سعود السنعوسي عن روايته ساق البامبو لافتاً إلى أن موضوعها حتم عليه كتابتها بقالب السيرة الذاتية، ولكنه رغم ذلك لا يهتم بتصنيف الروايات، ولفت إلى أنه تجاوز فوزه بـالبوكر مُصراً على تقديم عمل أقوى، فالقارئ بعد تلك الرواية أصبح موجوداً بشكل مُلح. وعبر السنعوسي عن استغرابه من كلمة الجرأة، لافتاً إلى أنه لا يطرح إلا ما هو موجود أمامه، ومؤكداً أن روايته فئران أمي حصة لم تُمنع، ولكنها لم تُجاز، ولا يعلم سبب عدم إجازتها. وعبر عن إيمانه العميق من أن المبدع يمكنه الانطلاق بإبداعه من محليته، وأن الثقة بعناصر البيئة المحلية تعزز هذا الإبداع. يوميات وبكل جرأة، عبرت الكاتبة سارة مطر عن فخرها الكبير بتخصصها في كتابة السيرة الذاتية أو اليوميات، لافتة إلى أنها لا تتحرج من كتابة مشكلاتها مع شقيقتها أو وصف علاقتها بوالدها، أو التحدث عن قصص الحب التي عاشتها وعايشتها، لافتة إلى أن المراهقين هم الشريحة التي تخاطبها في كتبها، ومستنكرة أن يكون سبب لجوء المرأة الخليجية للكتابة هو رغبتها في الشهرة. وأشارت مطر إلى أن المرأة تمارس كل الأدوار، مشيرة إلى أنها تكتب بمشاعر مدهشة، وأن لديها فائض كبير من المشاعر والأحاسيس والأفكار. وذكرت أن الكاتب يحقق نصراً معنوياً حينما يكتب، لأنه ينتصر على كل قصص الفشل من خلال الكتابة. تتواصل جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي، إذ أقيمت الجلسة الثانية مساء أمس وكانت بعنوان حوار الحوكمة الذكية، كما تقام مساء الليلة جلسة حوار كوميديا الفن العربي، بحضور نخبة من النجوم ويناقشون مسيرة الفن الكوميدي العربي، وواقع الفنان الكوميدي وتأثير شخصيته الحقيقية على نجاح أعماله.