×
محافظة جازان

جموع المصلين يؤدون صلاة الميت على شهيد الواجب المطمي

صورة الخبر

تقوم الشرطة الأمريكية بالتحقيق في إطلاق النار على تسعة من الأمريكيين من أصل إفريقي في كنيسة عمانويل، الأسقفية الميثودية الإفريقية، في مدينة تشارلستون (عاصمة ولاية فرجينيا الغربية)، باعتبار ما حدث جريمة كراهية ارتكبها رجل أبيض. وللأسف، فإن ذلك ليس حدثاً فريداً من نوعه في التاريخ الأمريكي. فقد ظلت كنائس السود منذ زمن طويل، هدفاً للعنصريين البيض الذين دأبوا على إحراقها وقصفها في محاولة لترويع المجتمعات السوداء التي تحتضنها تلك الكنائس. وقد ارتُكب أحد أفظع الأعمال الإرهابية في التاريخ الأمريكي ضد كنيسة سوداء في مدينة بيرمنغهام، بولاية ألاباما، عام 1963. وقُتلت أربع فتيات، عندما قصف أعضاء من عصابة "كوكلوكس كلان"، الكنيسة المعمدانية في الشارع السادس عشر، في مأساة أشعلت فتيل حركة الحقوق المدنية. ولكنّ من يستمع لوسائل الإعلام الرئيسية، لن يسمع كلمة إرهاب تستعمل في تغطية حادث إطلاق النار الذي وقع يوم الأربعاء الماضي. ولن يسمع وصف الشاب الأبيض الذي قام بإطلاق النار، وهو ديلان رووف، البالغ من العمر 21 عاماً، بأنه إرهابي محتمل. وإذا كانت التغطية الإعلامية لعمليات إطلاق النار التي يشتبه في قيام أشخاص بيض بارتكابها في الآونة الأخيرة مؤشراً، فإنه لن يوصف بهذا الوصف أبداً. بدلاً من ذلك، سيكون المفتاح لتفسير أفعاله، هو المرض العقلي. وسيُضفى عليه طابع إنساني، ويوصف بأنه مريض، وضحية لسوء المعاملة أو موارد الصحة العقلية غير الكافية. وقد لاحظ الناشط ديراي مكيسون ذلك الصباح، أن مذيع محطة إم إس إن بي سي، أثناء مناقشته دوافع روف، قال إننا لا نعرف حالته العقلية. تلك هي قوة البياض في أمريكا. وسرعان ما يميز المشتبه فيهم بأنهم إرهابيون وسفاحون، تحركهم نوايا سيئة، لا مظالم خارجية. وبينما يكون المشبوهون البيض، ذئاباً منعزلة، أي أشخاصاً يتصرفون بوحي من أنفسهم- وقد أكد عمدة تشارلستون، جوزيف رايلي فعلاً أن عملية إطلاق النار هذه، كانت من عمل شخص حاقد واحد - فإن العنف الذي يلجأ إليه سود أو مسلمون، منظم، ويتطلب ردّ فعل وتصرفاً من كل من يشترك معهم في العِرق أو الدين. وحتى الضحايا السود، يُجرّحون وتشوّه سمعتهم. ويجري تمشيط حياتهم بهدف العثور على أي مخالفة أو تلميح لتبرير جرائم القتل أو الهجمات التي وقعت عليهم: ومن ذلك، أن الضحية "ترايفون مارتن" كان يعتمر غطاء رأس. ومايكل براون سرق سيجاراً. وإيريك غارنر كان يبيع سجائر مفردة. وعندما طوردت فتاة سوداء لم ترتكب جُرماً، وطُرحت أرضاً من قبل ضابط شرطة في حفلة عند بركة سباحة في ماكيني، بولاية تكساس، وصفها مذيع الأخبار في شبكة فوكس نيوز بأنها ليست قديسة. وسارت تقارير الأخبار المبكرة عن إطلاق النار على كنيسة تشارلستون، على المنوال ذاته. فوصفت أخبار الكابل في حديثها عن سيناتور الولاية، القس كليمنترا بينك نيي، قسّ كنيسة عمانويل الأسقفية الميثودية الإفريقية، الذي نعرف الآن أنه كان بين الضحايا، بأن عمله الدّعويّ، كان شيئاً يمكن أن يثير الغيظ. فعادة وصف الضحايا السود، بأنهم يُسهِمون على نحوٍ ما في عمليات قتلهم، مستمرة. ولكنه سيكون من الصعب الاسترسال في هذا الخطاب الإعلامي العنصري المُفسد، عند إعداد التقارير عن إطلاق النار في كنيسة عمانويل، الأسقفية الميثودية الإفريقية. فكل الذين قُتلوا ليل الأربعاء، كانوا ببساطة يشاركون في دراسة الكتاب المقدس. وكان اختيار مُطلِق النار على كنيسة إيمانويل الأسقفية الميثودية متعمّداً على الأرجح، استناداً إلى تاريخها العريق. فقد كانت أول كنيسة أسقفية ميثودية إفريقية في الجنوب، تأسست عام 1818 على أيدي مجموعة من الرجال من بينهم موريس براون، الأسقف البارز، ودنمارك فاسي، وهو زعيم ثورة كبيرة للزنوج، في تشارلستون، رغم إخفاقها. وقد استهدِفت الكنيسة ذاتها في وقت مبكر، من قبل البيض الذين تخوّفوا منها، لأنها شيدت بأموال دفعتها جمعيات في الشمال مناهضة للعبودية. وفي عام 1880، جرى التحقيق مع أعضاء الكنيسة، بسبب تورطهم في التخطيط لثورة العبيد التي قادها فاسي، وتم إحراق الكنيسة وتسويتها بالأرض على سبيل الانتقام. ومع هذا السياق، يتضح أن قتل القسّ وأعضاء هذه الكنيسة كان عملَ كراهية مدبّراً. وقد أشار العمدة مايور رايلي، إلى أن السبب الوحيد الذي يجعل شخصاً يدخل كنيسة ويقتل أناساً يُؤدون الصلاة، هو الحقد. ولكننا في حاجة إلى اتخاذ خطوة أخرى. فهنالك رسالة تخويف تكمن وراء عملية إطلاق النار هذه، وهي عملية تعكس تاريخاً من الإرهاب ضدّ المؤسسات السوداء المشاركة في تعزير الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. والتردد من جانب بعض وسائل الإعلام في وصم الرجل الأبيض القاتل بأنه إرهابي، ذو مغزىً واضح. وفي غمار الروايات الإخبارية التي تُنسج على عجل، ينبغي عدم التغاضي عن أنّ كنائس السود ومساجدهم، ظلت تاريخياً هدفاً للعنف العنصري في أمريكا. وفي حين أن حرق كنيسة بيرمنغهام 1963، هو الأشهر تاريخياً، فقد حدثت سلسلة من عمليات حرق الكنائس أثناء تسعينات القرن الماضي. ويبدو أن الاعتراف بالإرهاب الذي تفرضه تلك الأعمال وأشباهها على المجتمعات، قد طواه النسيان بعد 11 سبتمبر/ أيلول. ويشير ما تلا ذلك من كراهية للمسلمين، اجتاحت قطاعات من وسائل الإعلام والسياسة، بأن وصف الإرهاب لا ينطبق إلاّ على الحالات التي يكون المشتبه فيهم فيها، ذوي بشرة أغمق. وفي هذه المرة، آمل أن يطرح المراسلون ومذيعو الأخبار الأسئلة التي تتناول جذور أعمال العنف المدفوع عرقيّاً في أمريكا. أين تعلّم هذا الرجل، الذي قتل أبناء أبرشية في كنيستهم أثناء دراسة الكتاب المقدس، أن يحقد على السّود كل هذا الحقد؟ وهل يكِنّ ولاءً للعلم الكونفيدرالي الذي يرفرف فوق مبنى برلمان الولاية في كارولينا الجنوبية؟ وهل تأثر بما تزاوله وسائل الإعلام اليميني من دون انقطاع، من تصوير الأمريكيين السود بأنهم كسالى وعنيفون؟ آمل ألا تلجأ التغطية الإعلامية إلى الرواية النمطية التي تُنسب إلى القتلة الذكور البيض: رجل شاب، منفرد، مضطرب أو مريض عقلياً، مخذول من قِبل المجتمع. إن هذا ليس مجرّد عمل شخص حاقد واحد. إنه تجلية للحقد العنصري والتفوّق الأبيض المستمرّ في التغلغل في مجتمعنا، بعد 50 عاماً من قصف كنيسة بيرمنغهام، وما نجم عنه من بعث حركة الحقوق المدنية. ويجب تغطيته بوصفه ذاك. والآن، وقد عثرت السلطات على مَن تشتبه فيه، يجب علينا أن ندعوه بما هو عليه فعلاً: إرهابي. *الأستاذة المشاركة لمادة الدين والدراسات الإفريقية، في جامعة بنسلفانيا الأمريكية (موقع كومون دريمز)