×
محافظة مكة المكرمة

الكشف عن أسباب مقتل"فتاة جدة" التي نجت من الاختطاف فــ"تخلص منها شقيقها"

صورة الخبر

شهد العالم الثقافي والأدبي، عالميًا، هذا الانتقال بشكل واضح. الكثير من الكتاب يهاجرون من جنس إلى جنس، ويبدعون فيه، بل ويتمايزون أيضا. الظاهرة ليست جديدة أو محصورة في نوع واحد، ولكنها متعددة بحسب الخيارات، ولو أن المآل واحد، التوجه نحو الرواية، أي الجنس الأكثر تأثيرًا في القراء، والأكثر انتشارا، باستثناء انتقال الصحفي نحو الرواية هناك الشاعر أيضا، لقد أصبح هذا الأمر واضحا وجليا في السنوات الأخيرة، وأصبحنا أمام روائيين من الطراز العالي، وهم في الأصل شعراء استطاعوا أن يبدعوا ويؤثروا على المشهد الروائي العربي، مثل محمد الأشعري الذي فاز بجائزة البوكر برواية القوس والفراشة، والشاعر عبداللطيف اللعبي الذي جاء من الصحافة المناضلة في المغرب، حيث كان مشرفا على جريدة أنفاس، فكتب روايات أغلبها سيري مثل تجاعيد الأسد والخابية وغيرهما. وقد يأتي الروائي من حقل آخر أكثر انضباطا مثل العمل الجامعي، أي من الحقل الأكاديمي ويكون مميزًا وكبيرًا، القليلون مثلًا عرفوا شكري المبخوت الأكاديمي نظرًا لانغلاق الحقل على التخصص العلمي الضيق وهو أمر طبيعي، طبعا باستثناء المشتغلين في مجال البحث العلمي، لكن بعد روايته الأولى، الطلياني وفوزها بالبوكر العربية، أصبح المبخوت ليس فقط معروفا، ولكن أيضا تلقى كتاباته كل الاهتمام النقدي والشيوع الكبيرين. من هنا يبدو لي أن الانتقال من جنس أدبي، إعلاميًا كان أو أكاديميًا أو غيرهما، نحو الرواية، مصدره الجوهري السجال الوجودي والإنساني بين الطارئ والمؤقت والدائم والمستمر. الصحفي مرتبط باللحظة الواقعية الطارئة بينما الكتابة الروائية هي لحظة استمرار وربما ديمومة. الرواية مساحة واسعة لا يتوقف امتدادها وتحولاتها، وقدراتها على الانفتاح على كل شيء، بدون استثناء حتى ما تمنعه المؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية. من هنا فهي الجنس الأدبي الأكثر شيوعًا وشعبية وتخييلًا وحرية أيضا، بالقياس للأجناس الأخرى. فهي، في هذا السياق، الأكثر قدرة على احتواء كل شيء بدون تراتبية في القيمة الافتراضية، وأقل الأنواع دكتاتورية، على العكس من الشعر ذي الميزة الأرستقراطية بسبب لغته الاستعارية، التي ليست في متناول الجميع، لغة تمر عبر ثقافة التأويل التي تلغي شعبية الجنس. صحيح أن عدد الصحفيين الذين تحولوا نحو الرواية كثر جدًا حتى أصبحوا ظاهرة أدبية لافتة، بالخصوص عند صحفيي التحقيقات الكبرى، والمراسلين الحربيين الذين يشتغلون داخل ميادين سريعة التحول وحارقة أيضًا. غابرييل غارسيا ماركيز كان صحفيًا ألمعيًا مكلفًا بالتحقيقات في الظواهر الغريبة وكان يكتب زواياه ومقالاته داخل هذا السياق، إلى يوم كتب رواية حكاية بحار غريق، ونشرها مسلسلة شدت إليها انتباه عدد كبير من القراء المتابعين لرواية وصف فيها ماركيز قصة غريق ظل يقاوم البحر والخوف والليل والملوحة التي تجفف الحلق، وسمك القرش الذي ظل يتربص به، بالتفاصيل الإعلامية. بهذا النص المميز، انتقل ماركيز من الحدثي والآني واليومي الإعلامي، نحو الروائي، أي نحو المستمر والأبدي. روايات المراسلين الحربيين جسدت هذه الهجرة الإيجابية من المقالة الصحفية نحو التخييل الروائي. رواية عالمية كبيرة ومدهشة مثل: لمن تدق الأجراس، لإرنست همنغواي، وصفت بقوة وبعبقرية تخييلية عالية، مآسي الحرب الأهلية في إسبانيان بل أكلت هذه الرواية نهائيا الصحفي المتمرس وأنتجت روائيا لا ينفلت منه أي تفصيل يعمق الخط الدرامي للنص. جمال الغيطاني ويوسف القعيد، لم يخرجا أيضا عن كونهما اشتغلا إما كصحفيين مداومين في الجرائد، أو كمراسلين حربيين. كان من نتائج ذلك روايات وقصص كثيرة فيها الكثير من لغة المراسل الحربي المهتم بالتفاصيل الحية، كما في رواية الحرب في بر مصر التي صنعت الروائي نهائيا. هذه العلاقة إذن ليست كمالية ولكنها حالة طبيعية وجزء من روح الفعل الإبداعي في مختلف تجلياته الإنسانية.