×
محافظة المنطقة الشرقية

عاصفة تضرب الهند وتسفر عن 32 قتيلا و80 مصابا

صورة الخبر

شكل موقع شبه جزيرة العرب موقعاً مناسباً انفتح من خلاله العرب على حضارات متنوعة، شرقية وغربية، من فرس وهند وأحباش وشام، من خلال رحلاتهم وتجارتهم شتاء وصيفاً، حيث أتيحت لهم فرصة الحوار والتفاعل والتلاقح، فنهلوا منهم طرائق عديدة، ثقافية وأدبية وسياسية، وتقوى تفاعلهم أكثر مع خروج المسلمين لنشر الإسلام، فتوافدت على ديارهم أقوام وألسن طعمت مخيالهم؛ كما لعبت الترجمة عن حكماء اليونان دوراً في تطوير وعيهم الأدبي والفكري. ولعل السرد العربي القديم في صورته الخام كان أحد هذه الألوان الأدبية تأثراً وانفعالاً، فما هي تشكلاته الأولى وتجلياته الفنية؟ وهل يمكن الحديث عن سرد بالمعنى المقعد له حالياً اصطلاحياً وفنياً؟ وكيف تبلور إرهاصاً وتأسيساً حتى وصل إلى صورته المعروفة حديثاً؟ بداية لا بد أن نشير أن تمظهرات السرد العربي القديم قد عرفت قديماً قدم الشعر، مع مرويات العرب في مسامراتهم اليومية عن بطولاتهم وأخبارهم، أو خطبهم وحكمهم، وقد شكلت هذه المرويات في بدايتها طابع القصة بمعناه العفوي لا الموضوعي، فجاءت في شكل حوادث ووقائع كحرب البسوس وداحس والغبراء، تخلد لتاريخ قبائلهم أو أبطالهم، كما اتخذت في جانب آخر محكيات تركز على بعد أسطوري (زرقاء اليمامة أنموذجاً)، فهيمنت الخرافات والأساطير على المحكي. وقد يرهصنا هذا بأن العرب عرفوا أشكالاً سردية تناقلت عبر الأجيال في إطار أساطير الأولين، وقد أوردها القرآن الكريم توصيفاً لهذا المجتمع الوثني، مباشرة بعد مجيء الإسلام الذي اتخذ معه هذا السرد طبعاً وعظياً خدمة للرسالة السماوية، بدءاً بلغة القرآن وقصصه، والحديث النبوي والسنة النبوية ذات الطابع السيري، إضافة إلى الخطب الدينية. لكن مع تطور الحياة العربية الإسلامية ثقافياً واجتماعياً بفضل احتكاك العرب بثقافات أمم أخرى، انتهالاً وترجمة ونسخاً بظهور الورق والنساخين؛ انتقل هذا السرد من طابعه الشفاهي إلى مرحلة الكتابة بفضل تطور مفهوم الدولة الإسلامية وتنوع دواوينها وكتابها، حيث تأثر السرد كشكل نثر فني جديد، فلاقى اهتماماً بعد هيمنة المدونة الشعرية على الذائقة العربية على اعتبار أن الشعر هو ديوان العرب الأول، في الوقت الذي كان ينظر للمحكي العربي أنه مجرد أدب سوقي، وهكذا تمكن السرد العربي من حجز مكانه داخل التلقي العربي بمسميات جديدة اجتهد العرب في التواضع عليها، وفي هذا الصدد يقول سعيد يقطين: (نجد من بين هذه الاستعمالات، الأدب القصصي، أدب القصة، النثر الفني، القصة عند العرب، الحكايات العربية)، كان هناك تضارب في التعريف بهذا الشكل نثراً أحياناً أو حكياً أحياناً أخرى، والواقع أن هذه التجليات السردية العربية المختلفة أدرجت بصورة أو بأخرى ضمن النثر الفني، ولذلك غابت خصوصية السرد بمعناه الحديث على حد تعبير سعيد يقطين، لذلك نجد الدراسات العربية القديمة والحديثة اهتمت بما يسمى بالأخبار والمقامات والأسمار والحكايات العربية، والنوادر وقصص الحيوان والسير والرحلات، فمنها ما كان متجذراً في الوعي العربي الأصيل، ومنها ما اقتبسه العرب من غيرهم من الفرس والهند كألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، كما يقول بذلك موسى سليمان. وطبيعي، فلكل مستحدث بداية، لذلك بدأ العرب ببلورة وعيهم السردي مع نماذج جديدة رسخت لتطور السرد درجة درجة، فمنها ما اهتم بأخبار الملوك والكتاب والندماء والجلسا، كما جاء في كتاب الفهرست لابن النديم، أو كتاب التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبه، وذلك حكي واقعي، أو حكي تخييلي اهتم بأخبار المسامرين والمنحرفين (ألف ليلة وليلة، وكتابات ابن المقفع)، وتطور السرد فتناول قصص الأنبياء لدى الكيسائي، وقصص الحيوان (كليلة ودمنة)، والقصص الفلسفية (حي بن يقظان) لابن طفيل، والقصص الدينية (رسالة الغفران للمعري)، أو السير (تغريبة بني هلال وسيف بن ذي يزن)، كما أن ظهور المقامات كفن قصصي قد خلخل الذائقة العربية وعصف بقناعاتهم الراسخة حول رسمية الشعر. إذن مع ظهور مفهوم المجتمع العربي الجديد بتناقضاته وتضارب طبقاته، باتت الحاجة ماسة لسارد/راوٍ يعبر عن هموم الطبقة السفلى، حتى أن الكثير اعتبروا هذا الجنس هو بضاعة يونانية استلهموا لبناتها من محكياتهم، وقد التمس إحسان عباس توضيحاً وتبريراً مقنعاً لبراءة المقامة، حيث يقول: (ليست محاكاة للدراما اليونانية، وليست متأثرة بالنظرية الأرسطاطاليسية، فهي وليدة جو عربي محلي، ولكن مع ذلك تجيب عن سؤال القرن الرابع الهجري، أن ولادتها كفن لم تعرفه الآداب الأخرى، كان يرضي رغبة روائية لدى العرب كتلك الرغبة التي وجدت رضاها عند غيرهم من الدراما). كما أن الجاحظ والأصفهاني قد وسعا من دائرة السرد، في الوقت الذي كان ينظر إلى مصنفاتهما أنها مجرد دراسات لغوية، يقول سعيد يقطين عن منجزهما: (نمثل لذلك بكتابين مشهورين في ثقافتنا العربية، أولها (البيان والتبيين) للجاحظ، لقد تم التعامل مع هذا الكتاب بصورة خاصة باعتباره مصدراً بلاغياً أو نقدياً، لكن يمكن النظر إليه بصفته خزانة سردية أيضاً، وثاني الكتب (الأغاني) للأصفهاني، إنه ليس ديواناً للشعر العربي كما يتم الاشتغال به عادة، ولكن علاوة عن ذلك ذخيرة للنصوص السردية واقعية كانت أو متخيلة). فالجاحظ (ت 255) نفسه يقول بخصوص أسلوبه في الكتابة: (وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عامياً، وساقطاً سوقياً، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشياً)، لقد أشاع لنفسه أسلوباً جديداً يوازن بين العبارات، بحيث تسترسل دون أن تتسجع نهاياتها أو تتقفى على حد تعبير شوقي ضيف. وقبله نجد ابن المقفع (ت 142) أيضاً قد انتهج أسلوباً جديداً أضاف إلى مدونة السرد العربي القديم نفساً جيداً، كما يقول بذلك شوقي ضيف أيضاً: (ليس في أساليبه عناية بالسجع ولا بالترادف الصوتي، يحدث لنفسه أسلوباً له خصائص أدبية واضحة، لأنه يفكر في الجانب المعنوي أكثر من اللفظي). ومن جانب آخر عرف العرب أدب الرحلة باعتباره حكياً يتداخل فيه الواقعي بالخيالي، وقد نشط فيه الجغرافيون والمستكشفون الذين كتبوا عن البلدان والأمصار التي زاروها، فاتخذت كتاباتهم طابعاً خرافياً مثل السندباد، أو مظهراً ملحمياً مثل أبي زيد الهلالي، فعلى سبيل المثال هناك مؤلفات عديدة في أدب الرحلة، وكانت عنايتهم بها عظيمة في سائر العصور، فهناك رحلة السيرافي بحراً إلى المحيط الهندي في القرن الثالث الهجري، ورحلة سلام الترجمان إلى حصون جبال القوقاز عام 227هـ، بتكليف من الخليفة العباسي الواثق، للبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج، ثم تأتي رحلات كل من المسعودي مؤلف مروج الذهب، والمقدسي صاحب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، والإدريسي الأندلسي في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، هذا إلى جانب رحلة الرحالة المؤرخ عبد اللطيف البغدادي. وتأتي رحلة البيروني (ت 440هـ)، المسماة تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة؛ نموذجاً فذًّا مخالفًا لكل ما سلف، إذ تُعد وثيقة تاريخية مهمة تجاوزت الدراسة الجغرافية والتاريخية إلى دراسة الآخر من خلال ثقافات مجتمعات الهند قديماً، ممثلة في لغاتها وعقائدها، وعاداتها، مع عناية خاصة باللغة السنسكريتية، وهي لغة الهند القديمة، إذ يتناولها البيروني بالتحليل، ويقارن بينها وبين اللغة العربية على نحو جديد. وقد أعانه على ذلك إتقانه اللغة السنسكريتية، وثقافته الواسعة، وميله إلى التحقيق والدقة، فضلاً عن إقامته الطويلة بالهند، حيث قاربت الأربعين عاماً. كما أن هناك رحلة ابن بطوطة في أفريقية والهند من خلال مؤلفه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار). وقد شكل هذا النوع الأدبي قيمة مضافة للأدب العربي القديم، سواء في لغته المحكية أو لغته السردية، أو من خلال انفتاح العربي وتثاقفه مع الآخر. إن هذه التحولات في النثر الفني العربي القديم قد طعمت السرد العربي، ورسخت أقدامه نحو تحقيق مدونة سردية تراثية أرخت بظلالها على عتبات عصر النهضة العربية الحديثة. السرد العربي الحديث شكل احتكاك العالم العربي بالغرب فرصة أدبية كبيرة ليعيد الأدباء العرب ترتيب البيت السردي القديم، بالتجديد أحياناً، أو بابتكار ألوان سردية على غرار نظيرتها الغربية في القرن التاسع عشر. ونتيجة لظروف سياسية (الاستعمار) واجتماعية وثقافية (الهجرة إلى أوروبا والمثاقفة بالآخر)؛ فقد تخلخل الوعي العربي، وتشذبت ذائقته وهو يطلع على الأعمال السردية الغربية، فكان من الأجدر أن يتجاوز الكتاب العرب الأشكال الحكائية التقليدية، فظهرت كتابات سردية متنوعة كالرواية والسيرة والرحلة والقصة والمسرح... أدب الرحلة يعتبر كتاب (تخليص الإبريز في تلخيص باريس) لرفاعة الطهطاوي مثالاً لأدب الرحلة العربي في حلته الجديدة، حيث تماهت فيه أجناس أدبية أخرى من سيرة ورواية، هذا إن لم نقل إنه وثيقة تاريخية انصدم فيها العربي المشرقي بحضارة الغرب (فرنسا أنموذجاً)، ويضاف إليه عمل فارس الشدياق (الواسطة في أحوال مالطة) دائماً مع اكتشاف الآخر والتفاعل معه، وانضافت أعمال أخرى يمكن حصرها في عمل السندباد العصري لحسين فوزي، وكتاب (زهرة العمر) لتوفيق الحكيم، وقد كتبه بحس مسرحي يكشف فيه عن الجوانب الحياتية لباريس. الرواية والسيرة وقد اعتبر الكثيرون أن مؤلف (زينب) هو أول عمل روائي عربي عرفه الأدب العربي الحديث، وضع من خلاله لبنة السرد الحقيقية لجنس الرواية، وتوالت الروايات، تقليداً للغرب أحياناً أو تلمساً لجنس محلي خاص أحياناً أخرى، فشكلت مثلاً أعمال جورجي زيدان التعليمية -على سطحيتها الفنية- فرصة لربط الماضي بالحاضر عبر تمثيل البعد التاريخي والحضاري العربيين باستحضار رموزه التاريخية والسياسية. كما ساهم مصطفى لطفي المنفلوطي عبر تعريبه أعمالاً روائية فرنسية (الشاعر)، (تاج الفضيلة)، إلى جانب حافظ إبراهيم مترجماً لفكتور هيجو عمله (البؤساء)، وترجمة أحمد حسن الزيات لغوته؛ فرصة إضافية نحو التأصيل لكل مسرود عربي معاصر من رواية وقصة وسيرة ذاتية، فتبلورت باكورة أعمال جادة مع توفيق الحكيم وطه حسين... ويعتبر نجيب محفوظ أول موطد لجنس الرواية العربية بمعناه الحديث، كما يمكن أن نلاحظ أن الكتاب العرب قد تماهت في كتاباتهم السردية الرواية بفن السيرة في مزاوجة بين الحكي الواقعي والحكي التخييلي، ونجد هذا التمثل عند جمال الغيطاني في عمله (خلسات الكرى)، وعبد الرحمن مجيد الربيعي في (خطوط الطول...خطوط العرض). ففي زينب نجد بطل الرواية هو محمد حسنين هيكل، ونفس الأمر في طه حسين في (أديب) و(الأيام)، والمازني في عمله (إبراهيم الكاتب)، وتوفيق الحكيم في (عصفور من الشرق)، أو لدى محمد شكري في الخبز الحافي الذي يتداخل في الحكي بنوعيه، فيصعب التسليم بوقائع هذه السيروائية... لقد حرص الأدباء العرب وهم يشكلون مدونة سردية حديثة على التعبير عن ذواتهم بشكل خاص مع رفض صارخ لمجتمع طاعن في التخلف والقمع السياسي، واعين بضرورة التغيير؛ لذلك جاءت أعمالهم محاكاة أحياناً للأعمال الغربية أو محاولة لتأصيل المسرودات العربية، وإضفاء شرعية المحلية عليها أحياناً أخرى. القصة طرحت القصة جدلاً حول شرعيتها ما بين قائل بأصالتها العربية القديمة متشابهة مع المقامات، مثل أعمال حديث عيسى بن هشام للمويلحي، وعلم الدين لعلي مبارك. وهناك من عزاها لاحتكاك العرب بالغرب. وقد مرت بثلاث مراحل أسست لرسوخها حتى الوقت الراهن، حيث عرفت مرحلة التقليد والتعريب 1850 - 1914، ثم مرحلة التكوين والإبداع 1914-1939، ومرحلة التأصيل والنضج. وقد كانت المراحل متأثرة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفها العالم العربي سواء جراء الاستعمار أو صدمته بحداثة الغرب. وقد برع فيها كتاب أمثال محمود تيمور ونجيب محفوظ وسهيل إدريس وزكرياء تامر. المسرح لم يعرف للعرب جنس أدبي يدعى المسرح، وقد عزا الكثير من الباحثين هذا الغياب إلى أسباب حضارية واجتماعية وفنية ودينية، ونسوق عاملاً فنياً يقول فيه عباس محمود العقاد: (التمثيل من الفنون التي ترتبط بالحياة الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً، وما دامت أن بيئة العرب لم تتعدد فيها أدوار الحياة الاجتماعية على حساب الأعمال والصناعات والطبقات، لم يعقل أن ينشأ فيها فن التمثيل، أو يظهر فيها أدب المسرح). لكن وبعد أن تفاعلوا وانفتحوا على الغرب حديثاً مكنهم من التعرف عليه وتبنيه تعبيراً عن روح الجماعة نفسية أو اجتماعية أو حضارية، لكون المجتمع العربي بفعل التمدن عرف طبقات ثقافية ونفسية فتباعدت الهوة بين فئاته إثر المظاهر الاجتماعية والسياسية التي عرفها. وقد عرف السرد العربي الحديث هذا الجنس في بداياته عبر ترجمة أعمال مسرحية شهيرة، ثم بعدها شرعوا في التأليف في إطار المسرحية التاريخية، والمسرحية التراثية، والمسرحية الشعرية، من خلال أسماء لمعت في سمائه من مثل مارون النقاش وأبو الخليل القباني وأحمد شوقي، وتوفيق الحكيم بمسرحياته: أهل الكهف وشهرزاد والملك أوديب وغيرها، واعتبرت مسرحية أهل الكهف أول عمل مسرحي في الأدب العربي الحديث، حيث قال فيها غالي شكري: (جاءت أهل الكهف مزيجاً معقداً من عناصر الدراما الأوروبية، ومن عناصر المأساة المصرية الخالصة)، وهذه إشارة قوية لاستفادة العرب من غيرهم استلهاماً وتحويلاً وإبداعاً آخر مغايراً.