لا أعتقد أن قضية اتهام قاضي المحكمة الجزئية في مكة تنتهي بمجرد تبرئته وعودته إلى مباشرة عمله، بعد أن ثبت أن القضية ملفقة وأن القاضي كان ضحية مكتب للمحاماة كان القاضي يتعاون معه، وأن مبلغ الأربعين ألفا الذي تم ضبط القاضي وهو يتسلمه ليس رشوة وإنما باقي مستحقاته نظير تعاونه مع ذلك المكتب الذي أعد له كمينا ولفق له تهمة الرشوة. بصرف النظر عما إذا كان النظام يجيز أو لا يجيز لقاض على رأس العمل أن يتعاون مع مكاتب للمحاماة، تشكل طرفا في القضايا المطروحة أمام المحاكم التي تقتضي النزاهة فيها عدم تواصل القاضي مع أي طرف من أطراف القضية حتى لو كانت القضية مطروحة أمام قاض آخر، بصرف النظر عما إذا كان النظام يسمح بذلك أو لا يسمح، ولا أظنه يسمح، فإن مقتضى ترفع القضاة عن الشبهات من شأنه أن يحول دون تواصله مع مكاتب محامين يلتقي بهم في المساء وينظر في مرافعاتهم في الصباح مهما كانت طبيعة هذا التواصل، ولا أعتقد أن القضاة من الموظفين ذوي الدخل المحدود الذين يسعون إلى تحسين مستوى دخولهم كما أنهم ليسوا من ذوي الأفق الفكري المحدود الذين لا يعرفون ما يمكن أن يثيره تعاونهم مع مكاتب المحاماة وهم لا يزالون على رأس العمل من الشبهات. تمت تبرئة القاضي من الرشوة وثبت أن التهمة ملفقة، ولكن شبهة تعاون القاضي مع مكتب للمحاماة، لم يتورع في خاتمة التعاون أن يلفق للقاضي نفسه تهمة بالارتشاء، هذه الشبهة لا تزال قائمة حتى وإن عاد القاضي بممارسة عمله مرة أخرى، والقضية برمتها تحتاج إلى تفسير من مرجعية ذلك القاضي أو من مجلس القضاء كي تنجلي دوائر الريبة والشك.