بعض القضايا تجبرك جبرا على العودة إليها من باب الاستغراب والعجب وليس الإعجاب، وأحيانا التذكير بحثا عن إجابة حائرة لأسئلة محيرة متراكمة، ومن ذلك أزمة العمالة المنزلية النسائية التي لم تنته ولن ينتهي ثالوثها الشهير (رسوم الاستقدام، السوق السوداء، هروب العاملات) وهنا نمسك الكلام من النقطة الأخيرة وهي الهروب الذي فاق كل التوقعات والتصورات، والدليل استقبال دور الرعاية الاجتماعية في المناطق لنحو 88 ألف عاملة هاربة ومتغيبة خلال عام واحد حسب ما نشر قبل أيام وتتداوله المواقع الالكترونية بما لذ وطاب من التعليقات. هذا الرقم الهائل للعاملات الهاربات غير الطبيعي لشريحة واحدة من سوق العمل، يعني أن دور الرعاية تتسلم على مدار الساعة حالات هروب، والنسبة الأكبر من الإثيوبيات (74%) بعدد 65 ألف عاملة من جنسية واحدة مما يضع علامات استفهام عن الأسباب وتحليلها، وضرورة اعلانها ونقاشها لعلاجها بالوعي والتعاون المجتمعي والضوابط المشددة، بدلا من هذه الدوامة وكأن الحل في دور الرعاية الاجتماعية، حتى يفرجها الله. إلى الآن يبدو أن ليس بالإمكان أكثر مما تم وكان، من اجراءات العقد الموحد وضمانات تؤخذ على المواطن طالب الاستقدام، ولا ضمانات مقابلة على تلك العمالة بالقدر الكافي، ولا دراسة شاملة موحدة تخبرنا بكافة اسباب المشكلة ورؤية حلولها، وهذا يحتاج إلى شفافية وطرح إعلامي مكثف وعميق وليس مجرد آراء واجتهادات، اعتاد بعض المسؤولين على اعتبارها (كلام جرائد). أطراف الأزمة كثيرة ومتشابكة، وكل منها يقول كلمته ويمشي والنتيجة واقع مؤسف ومشكلات تتضخم، وأوضاع تفرض نفسها على سوق العمالة المنزلية، أبسطها تحول بعض المكاتب من خدمات الاستقدام والتأجير إلى دور سمسرة، فكعكة السوق كبيرة وتتداعى عليها الأكلة من الحريصين على استمرار الخلل والمشكلات. حتى الآن لم نسمع رؤية رسمية تجاه مثلث الأزمة المستعصي وهو مشكلة الاستقدام ورسومه المتضخمة التي تجاوزت العشرين ألف ريال، والسوق السوداء، والهروب، ولا يزال مجلس الشورى ينتظر استكمال لجنته المختصة لدراسة الأمر الذي يستحق حلولا جادة، تصحح الواقع الذي يفرض أوضاعا شديدة الخلل حتى اتسع الرتق على الراقع، رغم الحديث المتكرر عن خطط طموحة يتم طرحها وكأنها الدواء الشافي لأمراض سوق العمالة المنزلية، ثم سرعان ما تظهر أعراضه الجانبية بنشوء ثغرات جديدة أو مضاعفات كبيرة. ظاهرة الهروب وإغراءات السوق السوداء للخادمات تجهز على كل جهد، وللأسف من بين أطرافها مواطنون، إذا سألتهم عن سبب تشغيلهم لعمالة هاربة أو السمسرة في هذا المجال يقولون: وهل توفرت الحلول البديلة؟ ويقول آخر لدغه جحر الهروب: من يعوضني عن آلاف الريالات الضائعة، ومن يضمن لي أن العاملة لن تهرب طالما لن تنالها عقوبات رادعة؟ وفوق كل ذلك ارتباك السوق وتعطشه وإحجام دول عن تصدير عمالتها. عدم تطبيق الأنظمة بحزم ساهم في عدم احترامها وباتت السوق السوداء بابا واسعا لمكاسب السماسرة والهاربات أصحاب المنافع في دهاليز السوق السوداء فينطبق عليهم المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد) على طريقة (امسك لي وأقطع لك) ويبقى قهر المواطن على أمواله واستقرار أحواله المنزلية، ولا تزال الدوامة مستمرة، فلا قامت شركات استقدام، ولا انتظم سوق العمل، ولا حل للهروب، ولا أمل في علاج الأزمة، وأخشى أننا بعد سنة وسنتين نجد أنفسنا غارقين أكثر في مشكلات الاستقدام وعدم انتظام سوق هذه العمالة، لكن بأرقام تكاليف مضروبة في اثنين، ولا نهاية للقصة بعد أن أصبحت حكاية و(حدوتة)!