بعض الانتهازيين وأصحاب المطامع يعدون من (الشطارة) المبالغة في مديح من لهم حاجة عنده أو يرجون مصلحة في يده، فيسرفون في الثناء الكاذب عليه، ظنا منهم أنه يصدق ما يقولونه عنه وأنهم بذلك يملكون قلبه فيفتح لهم كل باب مغلق في وجوههم. أمثال هؤلاء الانتهازيين موجودون في كل ثقافة وفي كل زمن، وفي كتاب (الأمير) لميكافيللي يتطرق للحديث عن الانتهازيين من المداحين الكذابين محذرا منهم، في رأيه أن من يمدح صاحب سلطة كذبا، هو غالبا ينظر إلى ذاته على أنه أذكى من ممدوحه، ذاك أنه يعرف في قرارة نفسه أنه يكذب ويخدع ويعتقد أن ممدوحه مصدق ما يقوله عنه من المديح الكاذب، لهذا يرى نفسه أكثر ذكاء من الممدوح، فطالما أنه يستطيع خداعه، فإن هذا يعني أنه أكثر ذكاء منه! لكن ما يقوله ميكافيللي عن رؤية المادح الكاذب لنفسه أنه أكثر ذكاء من ممدوحه، هو وإن كان صحيحا إلى حد كبير، إلا أنه لا يكون كذلك إلا متى كان صاحب السلطة الممدوح مصدقا بالفعل ما يقال عنه من المديح الكاذب، أما متى كان غير ذلك، وهو ما يكون في أغلب الحالات، فإن القول الذي يقوله ميكافيللي ينقلب لينطبق على المادح وليس على الممدوح! فالمادح الذي يرى في طرب ممدوحه عند الثناء عليه دلالة على تصديقه ما يقوله عنه كذبا، يكشف عن غباء فيه، فما يحدث غالبا هو أن الممدوح صاحب السلطة لا يغيب عن ذهنه مطلقا أن المادح يخادعه ويكذب عليه، لكنه مع ذلك، لا يحرم نفسه من الاستمتاع بسماع مديحه الزائف، ففي طبيعة البشر الطرب عند سماع الثناء، حتى الزائف منه، بينما المادح ينخدع بما يراه من طرب الممدوح، وتزداد حماسته في المضي في مبالغاته وأكاذيبه عسى أن يجد له مقعدا شاغرا في قلب من يمدح، وما درى أن قلب ممدوحه يظل جامدا لا يحمل له بين ثناياه سوى الازدراء!. هناك ممدوحون كثر من ذوي السلطة يسمعون كثيرا من الإطراءات، ويطربون لها، لكنهم لا يعيرونها اهتماما ولا يقيمون لها وزنا، فلا يدعونها تؤثـر عليهـم مطلقا، وهو ما يجسد ذكاءهم وليس الغباء كما يظن المادحون، حسب قول ميكافيللي.