دعا محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) الدكتور فهد المبارك مؤخراً إلى إعادة النظر في سياسة دعم أسعار الطاقة، وأكد المبارك في كلمته أمام ورشة عمل عقدت في معهد الإدارة بالرياض بعنوان «السياسات الاقتصادية وأبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي لتحقيق التنمية المستدامة» أن الاقتصاد السعودي يواجه عدداً من التحديات، منها رفع مستوى كفاءة الاستخدام الداخلي للطاقة والمياه، خصوصاً مع وجود تشوه وهدر كبير لتلك الموارد المهمة، إضافة إلى زيادة الأعباء المالية على الدولة، «وهذا يتطلب إعادة النظر في سياسة دعم الأسعار واستبدالها بشكل تدريجي ومدروس، باستمرار الدعم الذي يستهدف شرائح الفئات منخفضة ومتوسطة الدخل مع مراعاة للآثار الاجتماعية لأي تغيير». ولا شك ان استمرار الدعم بشكله الحالي سيؤدي الى زيادة استهلاك المملكة مواردها النفطية والغازية بمعدلات غير مسبوقة، ولا تتفق مع استهلاك دول العالم الاخرى والتي تشابه المملكة في المساحة وعدد السكان والحالة الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، أنتجت المملكة في عام 1980م اكثر من 10 ملايين برميل في اليوم من النفط الخام وكان استهلاكها آنذاك من المشتقات البترولية حوالي 600 الف برميل في اليوم فقط. اي انها كانت تستهلك حوالي 6% من انتاجها والآن وبعد 35 سنة تنتج المملكة تقريباً نفس الكمية او اقل قليلاً لكنها تستهلك اكثر من 30% من انتاجها. ويتوقع ان تستهلك المملكة نصف انتاجها من النفط بعد عشر سنوات من الآن اذا استمر نمو الاستهلاك المحلي في الارتفاع بنفس الوتيرة. تستهلك المملكة الآن اكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم، وتصنف المملكة من اكبر خمس دول في العالم في استهلاك النفط. ولا شك ان هذه الأرقام تعطي إشارة واضحة إلى ضخامة حجم الهدر والتبذير الذي تتعرض له الثروة الاقتصادية الأولى للمملكة. وهي نتيجة طبيعية لعدم استشعار المستقبل بالاضافة الى انخفاض الأسعار المحلية لمشتقات النفط في السوق السعودية مقارنةً بالأسعار العالمية؛ حيث أدى اتساع الفجوة بين الأسعار المحلية والعالمية إلى تهريب مشتقات النفط السعودي وخصوصاً الديزل بكميات كبيرة. وتعتبر اسعار الطاقة في المملكة رخيصة جدا، وهذا لم يساعد على زيادة الكفاءة في الاستهلاك. فعلى سبيل المثال يباع الديزل في المملكة بـ 0.25 ريال، أي أن متوسط سعر الديزل في الأسواق العالمية يفوق السعر المحلي بحوالي 12 ضعفا. لا نريد ان نقارن سعر الديزل بالمملكة وسعره باوروبا او آسيا. واما الاسعار في الدول المجاورة فيبلغ سعر اللتر في كل من اليمن والاردن حوالي 4 ريالات للتر، وحتى الدول الخليجية رفعت اسعار الديزل لديها، ففي الامارت يصل السعر الى 3 ريالات للتر ولقد رفعت قطر السعر من 0.75 ريال الى 1.5 ريال، وفي خطوة مشابهة أعلنت الكويت مؤخراً عن رفع سعر الديزل من 0.75 ريال الى 2.2 ريال للتر للحد من عمليات الهدر والتهريب. ويباع البنزين بالمملكة بحوالي 0.5 ريال للتر وهو ارخص وبمراحل من كل الدول المجاورة. واما لقيم الصناعة من غاز طبيعي وغاز الايثان فهي الارخص في العالم. باختصار يبلغ دعم الطاقة السنوي بالمملكة مئات المليارات من الريالات، ويتغير هذا الرقم بتغير اسعار النفط العالمية. وكلنا يدرك ان هذه الاموال يمكن ان تصرف على البنى التحتية وعلى خطط التنمية، بدل ان تحرق بالهواء جراء الاسراف في استهلاك الطاقة او التهريب. ولا شك ان ترشيد دعم الطاقة سيقودنا وبكل تأكيد الى ترشيد الاستهلاك. ونضم صوتنا الى جانب معالي المحافظ في ضرورة وجود آلية سريعة لتحرير قطاع الطاقة من الدعم الذي ادى الى ظهور مظاهر ضارة للاقتصاد من هدر وتهريب للوقود.