على مستوى معين من التعميم، المقصود بالتمويل اقتراض رأس المال من النفس في أحوال قليلة، كتمويل توسعة مصنع من عائدات سبق توفير جزء منها، أو بالاقتراض من المنشآت المودع فيها أموال الآخرين كالمصارف التجارية. وسواء سمينا تكاليف التمويل بـ «الفوائد» أو «العمولات» أو عائدات «المرابحة» أو «العائدات» عن طريق شراء الصكوك، فإن المعنى العلمي الاقتصادي التحليلي الموضوعي المحايد واحد، فكل هذه المسميات تعني أن للتمويل ثمناً أو تكاليف لا بد من تحملها. ولنضرب مثلاً بشاب ولنقل ان اسمه صالح من سكان منطقة القصيم، وسبق أن تخرج من كلية الزراعة، وبعد فترة من تخرجه وبعد بضع سنوات من العمل في وظيفة حكومية، أراد إنشاء مصنع صغير لما يسمى «كنز التمور»، أي إجراءات تنظيف التمر وتجفيفه ولفّه بالبلاستيك، ووضعه في ما يشبه المعلبات البلاستيكية بطرق آلية ثم نقله وتوزيعه، ولكن هذا المصنع الصغير المتواضع يحتاج إلى تمويل لشراء آلات التنظيف والتجفيف والتغليف الآلية، ولثمن شراء أو مبلغ إيجار الشاحنة الصغيرة، ولنفرض أن أقل مبلغ يحتاج إليه هو مليون ريال. فيطرق أبواب المصارف، فمصرف قال له أقرضك المليون على أقساط لمدة خمس سنوات بعمولات محدودة كـ 10 في المئة على سبيل المثال، ومصرف آخر وافق على التمويل بطريقة غير مباشرة، بحيث طلب هذا المصرف الآخر شراء سلعة كالحديد أو الإسمنت أو غيره بمبلغ يزيد كثيراً أو قليلاً عن مبلغ المليون، ولو قلنا مثلاً إن المصرف قال لصالح: اشترِ الحديد من المصرف أو من تاجر آخر اتفق معه المصرف بمبلغ مليون و500 ألف. وسيقرضك المصرف مبلغ مليون، وعليك أن تسدد مبلغ مليون ونصف المليون خلال فترة خمس سنوات، وسواء اقترض صالح من المصرف الذي سمى ما يتقاضاه لمنح القرض «العمولات» أو«التكاليف»، أو من المصرف الآخر الذي منحه القرض بطريقة غير مباشرة، بشراء سلعة محددة، وسمى عائدات منحه للقرض بنسبة «المرابحة»، أو بأي أسم آخر، فجوهر الأمر لا يتغير، ويتلخص بأنه لا بد من تحمل تكاليف الاقتراض. تختلف المسميات ولا تختلف المعاني، فأياً كان المسمى المستخدم فلا يوجد بلد متقدم أو متخلف أو مضطرد نموه، يستطيع عامة مواطنيه المحتاجين للتمويل الحصول على التمويل من دون مقابل، أما الذي حتم وجود التكاليف للحصول على القروض، فهي الندرة النسبية لتوظيف المال لأجل باقتراضه ممن هو مستعد للتخلي عن توظيفه لفترة زمنية محددة. وما دام المطلوب من حاجيات المعيشة من ضرورية وغير ضرورية، ومن مادية ومن معنوية دوماً، ومنذ فجر التاريخ أكثر من المتوافر، فلا بد لكل شيء من ثمن يساوي بين المطلوب منه وبين ما هو متوافر منه، وفقاً لأسعار يحددها دخل طالبيها وتكاليف توفيرها. ولو كان الإنسان مستعداً للعمل بانتظام ومن دون مقابل، فعمله المجاني سيجعل الحصول على كل السلع مجانياً، غير أن الإنسان السوي غير المستعبَد عادة لا يعمل من دون مقابل، ولذلك لا بد للحصول على ما ينتجه الإنسان أو لتوظيف ما سبق أن ملكه بجهده لأجل من مقابل. وبعبارة أخرى فإن الندرة النسبية للجهد البشري، والندرة النسبية للأرض والعقار اللذين يمكن الاستفادة منهما، والندرة النسبية لتوظيف الأموال لأجل، هي التي أملت وجود أسعار بأسماء مختلفة وبمعان متقاربة، فسعر الجهد البشري يسمى «الأجور»، وسعر استخدام الأرض أو العقارات المبنية يسمى «الإيجار»، وسعر توظيف رأس المال أي اقتراضه لأجل يسمى «عمولة» أو «عائداً» أو نسبة «مرابحة» أو «فائدة». وخلاصة الموضوع وبطريقة مبسطة، أن أصل رأس المال هو قيمة ما سبق توفيره من إنتاج أو دخول في سنوات ماضية، وقد يكون رأس المال على صورة نقد أو على صورة عينية كآلة أو شاحنة. وإجمالاً، ربما أن ما تعرفه غالبية الناس عن رأس المال هو ما يملكه الآخرون من نقد، والناس لا يتخلون عن توظيف ما يملكون من دون مقابل، وقد نجد أسماء متعددة لهذا المقابل، ولكنه يبقى سعراً من أسعار أدوات الإنتاج، بل ومن أدوات كل نشاط تجاري، وكل ما يتعذر الحصول عليه من دون مقابل هو بالنسبة الى معنى الندرة الاقتصادية نادر أياً كانت درجة الندرة، والحصول على القروض أو التمويل معضلة حقيقية للمنشآت الصغيرة الناشئة، بسبب الندرة النسبية لما يمكن اقتراضه بتكاليف مجدية، وسبب هذه الندرة النسبية هو تنافس الحاجات الكثيرة المتعددة والمتنوعة لتمويل موقت أو دائم لكل نشاط اقتصادي. * أكاديمي سعودي