عن حياته وتجربته في إعداد وتقديم الأفلام الوثائقية التلفزيونية عن الطبيعة والتي امتدت إلى أكثر من ستين عاماً تحدث السير ديفيد أتينبورو، صاحب «الحياة على الأرض» و»الكوكب الحي» و»الكوكب المتجمد» وغيرها من برامج الطبيعة التي جعلت منه أيقونة تلفزيونية، إلى الجمهور الأسترالي مباشرة في برنامج تلفزيوني خاص بعنوان «على المسرح» والذي يعده الصحافي راي مارتين. رافقت الحوار الذي تناول حياة أتينبورو وتجربته مشاهد وصور لها صلة مباشرة بالسؤال الموجه إليه وبأسلوبه المرح وصوته المتميز والمألوف لدى ملايين من البشر في كل أنحاء العالم. كان يجيب بحيوية لا تصدق، رغم بلوغه من العمر ما يقارب التسعين عاماً، قضى الكثير منها في البراري والبحار والغابات ومنها نقل للعالم تفاصيل الحياة البرية التي لم يشاهدها الإنسان من قبل. يعود الصحافي راي بالسير ديفيد إلى طفولته التي أحب فيها البحث عن المتحجرات في حديقة بيته وفي الأراضي القريبة منها وعن علاقته بالصورة التي تعود إلى تأثيرات أخيه الأكبر الذي عمل مصوراً ومخرجاً سينمائياً، فيقول عنها: «كان أخي مولعاً في ترتيب المشاهد المسرحية وكان يشركنا مع أخي الأصغر في تمثيلها داخل غرف المنزل. وفي سنوات لاحقة كان يحمل كاميرا ويصورنا، أما شغفي الأكبر فكان في البحث عن الأشياء المطمورة داخل الأرض». أما عن علاقته بالتلفزيون فيذكر السير ديفيد باختصار تلك الرحلة الطويلة التي بدأت بعد تخرجه من جامعة كامبريدج في علم الحيوان وبدلاً من العمل في هذا الحقل اشتغل في الإذاعة كمقدم برامج لحلاوة صوته ثم انتقل إلى التلفزيون فعمل في «بي بي سي» في أواسط الخمسينات وفيها تكرس كمعد ومنتج للبرامج الخاصة بالطبيعة. «لقد أصبحت مقدماً لبرامج الطبيعة بالصدفة. كنت مهووساً بالطبيعة والعلوم الطبيعية فاقترحت على إدارة التلفزيون إعداد برنامج عن حديقة حيوان مدينة لندن يحضر خلاله أحد العاملين فيها إلى الاستوديو ومعه حيوان معين يشرح للمشاهدين تفاصيل عما يعرفه عنه، وذات مرة تغيَّب الرجل لمرضه فاضطررت لأخذ مكانه والتحدث للناس في بث مباشر عن أحد الحيوانات». بعد هذه التجربة طُلب منه الاستمرار في تقديم البرنامج ولكن طموحه كان أكبر فاقترح على «بي بي سي» السفر إلى غرب أفريقيا وتصوير الحياة البرية فيها. لكن إمكانات التلفزيون وقتها كانت ضعيفة، لهذا استغل إحدى سفرات حديقة الحيوان لجلب حيوانات من هناك وطلب مرافقتهم، فصور أثناء وجوده معهم وأنتج مجموعة أفلام شكلت نقلة في عالم الوثائقيات التلفزيونية وحظيت بشعبية كبيرة شجعته على المضي فيها، فأخذ بعدها يصور مناطق مجهولة من العالم وخطيرة. وكانت اندونيسيا وجهته الأهم وفي غاباتها المطرية وجبالها البكر التي لم يدخلها مصور محترف من قبل سجل معظم سلسلة «زو كويست». ثم تحدث عن تطور عمله اللاحق في سلسلة حلقات «الحياة على الأرض» التي كرسته كمقدم برامج مغامر وموهوب، ولهذا السبب سُميت الحلقة التي أجراها التلفزيون الأسترالي معه «حياة على الأرض» في إشارة إلى حياة الرجل وعمله الذي غطى فيه مساحات مجهولة من الكرة الأرضية بطريقة فيها كثير من المصداقية والجمال اللذين شدا الناس وحتى اللحظة إليها. وجّه راي لصانع الوثائقيات الأشهر في العالم أسئلة تخص الجوانب المهنية من عمله وتوقف عند موضوع السفر الطويل في البراري واقترابه من الحيوانات الخطيرة، فكانت إجابته سهلة خالية من الفذلكة والادعاء... وأشد تجاربه قسوة وصفها بحب لأنها كانت جزءاً من عمل أحبه وكرس حياته له، فالمغامرة بالنسبة إليه لا تنفصل عن طبيعة الوثائقيات التي أرادها أن تكون منقولة كما هي إلى الناس. ولهذا اكتسبت الأهوال التي تعرض إليها في الغابات الآسيوية وفي أفريقيا مع قبائل أكلة لحوم البشر عند سردها طابعاً إنسانياً ليس فيها أي تعال بل انطلقت من تجارب عمل نظر إليه كـ «مهمة لمعرفة العالم وخفاياه». أما عن أكثر التجارب التي أثرت فيه فكانت كما قال «مع الغوريلا في جزيرة «كومودو» التي باغتته وجلست قربه عندما كان يبحث عنها داخل أحراش الجزيرة». وعن الأكثر غرابة له، ذكر الطريقة العجيبة التي يصطاد فيها «الحوت القاتل» صغار الفقمة المتواجدة على الساحل وتصويره للمرة الأولى «الحوت الأزرق» قرب سواحل سان فرانسيسكو. أما الحيوانات الأجمل والأقرب إلى قلبه فهي «طيور الجنة» ذات الألوان الباهرة التي تعكس جمال الطبيعة غير المحدود والتي ستظل تغويه لتصويرها ما دام حياً.