لعل أهم ما يميّز برنامجَي «في الصميم» و «يا هلا» هو تقديم بعض الرموز للجماهير دون مساحيق تجميل، أو عتبات نصية، فلقد ظهروا -أمام الكاميرا- مرتبكين وهم يحاولون التوازن بين سلطة الأتباع، وسلطة النظام. لكن الغريب في الأمر أنهم كانوا -الواحد تلو الآخر- يتبرّأون من انتمائهم لماضيهم، تاركين الأتباع والمشاهدين تحت طائلة اختبار ذكائهم، وكشف مدى ادّعاءاتهم في زمن الحامل الثقافي المحفوظ في «تويتر» و «فيسبوك» و «يوتيوب» و «كيك» و «إنستجرام» والفضاء المفتوح. أعتقد أن أي متابع لتصريحاتهم في قنواتنا التليفزيونية المهتمة بالداخل أصبح المشهد المتلوّن واضحاً لديه، فبعد مواقف المملكة السياسية الصارمة تجاه الحركات الدينية المتشددة بدأت رؤوس الأفاعي في الاختباء متواريةً تحت التراب، منتظرة فرصةً سانحةً أخرى للانبعاث، لكنهم -على ما يبدو هذه المرة- سينتظرون جودو الذي لن يأتي، فالسعوديون لم يعودوا يحتملون أي تصريح جديد يدعم المتشددين، أو يدعو للنفير «المقدس»، أو يقف معهم حتى على المستوى القلبي (وهذا أضعف الإيمان)، لا سيما بعد الأحداث الأليمة التي حصلت لجنودنا في الوديعة، وإخضاع 17 خطيباً للتحقيق لعدم التزامهم بالتوجيهات الخاصة بتجريم العملية الإرهابية. لابد -هنا- من تقديم وافر الشكر لعبدالله المديفر ولعلي العلياني اللذين جعلا أبا حنيفة وأصحابه يمدون أرجلهم مطمئنين لصداقة الزمن لهم بعد أن تعرّت عقول التيار الصحوي على أيديهم، وبان مقدار الخسارة الخضارية التي سيتسببون فيها لو أنهم ظلّوا في مطبخ صناعة القرار بمؤسساتنا التعليمية والإعلامية والتنموية. لنا أن نتخيّل أي مصير داعشي سنؤول إليه لو أن هؤلاء تسيّدوا المشهد، وأفتوا واستفتوا فيه، وأمسكوا بقمرة قيادته! نحمد الله على كل حال، ولكنهم لا يزالون يتدعّشون تحت التراب، وعلينا أن نُبقي أعيننا مفتوحة عليهم.