يحفظ أغلب المواطنين العرب اليوم أسماء أغلب المدن والقرى السورية، ويستطيعون تحديد مواقعها على الخارطة بسهولة بل وسرد أسماء الجبال والوديان التي تحيط بهذه البلدات، لا يحتاج المواطن العربي اليوم أن يكون ضليعا في الجغرافيا كي يعرف المسافات والاتجاهات بين أدلب وحلب وحماة وحمص ودير الزور ودرعا، وليس بالضرورة أن يكون قد زار دمشق كي يسرد لك أسماء أحيائها وميادينها وشوارعها. هكذا للأسف الشديد أصبح الناس يتعلمون الجغرافيا في هذه المنطقة من العالم فبعد أن عرف الناس المدن الأفغانية مثل كابول وقندوز وقندهار بفضل الصواريخ التي هبطت فوق رؤوس أهلها، ثم جاء درس العراق حين اجتاح الأمريكان بلاد الرافدين وبدأت أسماء المدن والقرى تتكرر في نشرة الأخبار: أم قصر، البصرة، الناصرية، بغداد، الفلوجة، الرمادي.. الموصل.. أربيل... إلخ، وأصبح الناس الذين يعيشون خارج العراق قادرين على تحديد مكان كل قرية أو حي بعد أن شاهدوا موقعها على الخارطة أكثر من مرة وعلى شاشة التلفزيون.. فمع كل تفجير أو عملية عسكرية ثمة قرية منسية يظهر أسمها بشكل بارز على الخارطة. وإذا استمرت أحوال العرب على هذا العام فإنهم سيكونون أبرع شعوب الأرض في الجغرافيا وهذا سوف يفيد القوى الكبرى التي تراجع مشاريع التقسيم، حيث إنها حين تشرع بخرائط التقسيم لن تحتاج إلى فرق بحثية كبيرة بل بإمكانها أن تسأل أي شخص عربي يمر في الشارع عن هذه القرية أو تلك وسيحدد لهم فورا موقعها والمذهب الديني الذي يعتنقه أهلها وأصولهم العرقية، لقد تقسمت كل الأماكن دون حاجة لوجود دبلوماسي أجنبي يرسم حدودا جديدة للخارطة. في أحيان كثيرة نحن الذين نحمل الخرائط المقسمة في أدمغتنا قبل أن تظهر على الخارطة، ونصنع كل الأسباب كي يكون وجودها أمرا حتميا ولا مفر منه لفرض السلام !، بالأمس مثلا قرأت عنوانا أمس في إحدى الصحف يقول: (داعش والنصرة تحققان مكاسب في الحسكة على الأكراد) !، أعدت قراءة العنوان فلم أجد لا جيش بشار ولا الجيش الحر في هذه المعركة الجانبية ما يعني أن هذه الحرب لا علاقة لها بالثورة السورية ولكنها تحدث على هامشها، وهذه المجموعات المسلحة التي ليست مع أو ضد طرفي الصراع، سوف تنقسم على نفسها لتكون مجموعات أصغر، وفي كل مرة لا حدود ولا حواجز ولا موانع أكثر من تلك التي تصنعها الكراهيات الصغيرة القاتلة والثارات التي لن تنتهي. أحيانا أتخيل أن كل الخدمات التي قدمتها روسيا وإيران وحزب الله لجزار دمشق لا توازي أبدا حجم الخدمات التي قدمتها له هذه الجماعات التي تدعي نصرة الثورة السورية، أعان الله شعب سوريا.. هل يلقاها من بشار؟، أم من مرتزقة حزب الله؟ أم من القاعدة وتشكيلاتها الجديدة؟، أم من ألاعيب أمريكا وروسيا التي تمنح الفرصة تلو الفرصة لبشار كي يستمر في القتل وتهيئة الأجزاء للتقسيم !.