كم ترددت في كتابة هذه المقالة حرجاً لأنها توثق تفوقا لأحد من تربطني بهم أواصر الدم والقربى. وما عرف عني ولا عن أهلي الفخر أو التباهي بأي إنجاز صغير كان أو كبيرا. ولكن ما شجعني على المضي قدما في كتابة هذه المقالة أن بها صلة رحم بأكبر أشقائي المتوفين (صالح) وبأبنائه وبناته من بعده الذين منهم (ماجد بن صالح) الذي أعتبره بمقام أخي وأقرب أصدقائي في الدنيا. وصلة الرحم تستحق أن نتخطى الحرج من أجلها فليغفر الله لي إن أخطأت. وأود في البداية التذكير بمقالة سبق أن كتبتها في «عكاظ» في 7 أكتوبر 2009 تحت عنوان «نعتز بزملائك وبك يا مي» وذلك بمناسبة ظهور (مي بنت ماجد التواتي القرشي) حفيدة شقيقي الإعلامي ومحرر الأخبار المعروف الراحل صالح ــ يرحمه الله ــ إلى جانب زميلة أخرى في الفيلم التعريفي لجامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية ممثلة لزميلاتها وزملائها من السعوديين في الدفعة الأولى من طلاب الجامعة. واليوم وبعد مرور أربع سنوات على تلك المقالة يقف مدير جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ليعلن أن الجامعة تحتفل بمناسبتين، الأولى تخرج دفعة من طلبة الدراسات العليا في الجامعة والثانية تخرج (مي) كأول السعوديين بدرجة الدكتوراه من الجامعة. أربع سنوات كانت كافية لصغيرتنا مي أن تتعملق وتملأ الفضاء وتشغل الأوساط العلمية التي تعرفها بإنجازاتها العلمية الكبيرة وكتابها وأبحاثها حدّ أن درجة الدكتوراه في هندسة الكيمياء الحيوية من جامعة عالمية بحجم جامعة الملك عبدالله بدت في نظرها إنجازا عاديا يقبع في درجة متدنية من سلم طموحاتها الكبيرة التي عززتها بالأبحاث المنشورة والتجارب العلمية المتتالية المدعومة بجهود وعقول نخبة من أكثر العلماء تميزا في العالم ممن حظيت جامعة الملك عبدالله بوجودهم بدعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين أيده الله. ومن الجدير بالإعادة هنا من مقالتي السابقة معرفة أن مي كعينة مميزة من نواتج التعليم السعودي من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية هي نتاج لقسم الكيمياء الحيوية في كلية العلوم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، كما أنها لم تدرس أية مرحلة من مراحل التعليم العام خارج المملكة، ولم تحصل حتى على دورة من أي نوع خارج البلاد قبل قبولها في جامعة الملك عبدالله. وبالرغم من ذلك تمكنت منذ البداية من اجتياز الاختبار العالمي القياسي للغة الإنجليزية (التوفل) وكافة الاختبارات التمهيدية للقبول في الجامعة بقوة وتميز. وهذا شاهد على أن التعليم العالي والعام في المملكة ليس مترديا بالشكل الذي يتم تصويره، ولكن الفرق لا يصنعه النظام التعليمي وحده سواء في بلادنا أو في أي مكان آخر في العالم ما لم يقم البيت بدوره ويدعم بناته وأبناءه تعليميا ونفسيا وعاطفيا ويوفر لهم البيئة الصديقة الحاضنة حتى يصبح البيت مركز إشعاع علمي في حد ذاته. وبالنسبة لمي النموذج فإن والدها محب للعلم والتعلم ووالدتها أستاذة فاضلة من حملة الدكتوراه هي السيدة منى رمضان الشاذلي وكيلة فرع جامعة الملك عبدالعزيز للطالبات في عرعر، ولها خبرة طويلة في مختلف مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي، كما أن خالتها دكتورة استشارية، وأخوها وابن عمها وابنة عمها أطباء وعمها دكتور وعمتها أستاذة دكتورة وخالها دكتور. أما حملة الماجستير والبكالوريوس في عائلتها فحدث ولا حرج، والمبتعثون والمبتعثات من عائلتها ضمن (برنامج خادم الحرمين الشريفين للدراسات العليا) لعدة دول مختلفة من دول العالم فعددهم كبير بالنسبة لعائلة واحدة. تلك هي العائلة التي أنجبت (مي) ولا أذكرها كما أسلفت للتفاخر والتباهي، ولكن لأوضّح أن مي وزميلاتها وزملاءها لم ينبتوا في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا شجر ولكنهم نبتوا في واحات زاخرة بالعلوم والمعارف، وحب التعلم والتعليم يجري منذ الطفولة مجرى الدم في عروقهم. واليوم لا أخفي سعادتي بتحطيم (مي) لعدد من الأرقام القياسية في مسيرتها العلمية وبطموحها في السعي لنيل جائزة نوبل في العلوم، ولا أراه تعبيرا ساذجا عن أمنية مستحيلة، فما حققته حفيدة أبو ماجد ــ يرحمه الله ــ في سنوات عمرها القليلة ليس بسيطاً وما يتوقع منها الآن أكثر مما حققته بكثير. وأذكرها بقول الشاعر العربي (إذا غامرت في شرف مروم .. فلا تقنع بما دون النجوم). فامضي برعاية الله يا تاجا من تيجان الشرف والعز في عائلتنا وزهرة فواحة بطيب المنبت في وطننا الكريم لتحقيق أهدافك العلمية، فأنتِ الآن ملك للوطن وللوطن ما تنجزين، وهذا الوطن يستحق أن نرفعه فوق الرؤوس ونهديه الأرواح ونسعى لرفعته بأقصى ما نملك من طاقات وإمكانيات.