إن القرن الواحد والعشرين لن تكون فيه الهيمنة للغرب، ذلك أنه سيكون متعدد الأقطاب ومتعدد الحضارات كما قال"تودرروف" إذ أجمع الكثير من المفكرين والكتّاب والسياسيين وغيرهم أن احترام تعددية الثقافات وتنوعها تخلق فرصاً أخرى لتحقيق السلام العالمي، فينبغي أن يسعى الجميع في العالم إلى بقاء الإنسانية في الأرض عوضاً عن هلاكها، فالجوهر الإنساني يمجد الحياة ويخشى الموت. ويجدر بالحضارة الغربية المعاصرة أن تؤمن بالمساواة بين الحضارات الأخرى وتتعايش معها وتكف عن صناعة الحروب الداخلية، ان المستقبل اقترب والكل يحاول التحرر من الانعزال، فالإنسان اليوم يطل من نافذته على العالم دونما حذر أو مشقة، ويحدد موقعه من الكون للتفاوض على حقوقه. (بينما المساواة في الحقوق غير قابلة للتفاوض أصلاً كما صرح "تودرروف" في عدة مواقف مختلفة من حياته، وأضاف أن الديموقراطية تحتضر لأن واقعها في أمريكا أضحى مشبوها، فالحرية المطلقة الموجودة هناك مكّنت أصحاب رؤوس الأموال من التأثير على الحياة السياسية وهذا مايتناقض مع روحها). ولكن "صامويل هنتنجتون" يستعمل معايير مختلفة في كتابه صدام الحضارات من حيث التصنيف فهو مثلاً جعل من الحضارة اللاتينية والغربية حضارتين مختلفتين مع أنهما تشتركان في الدين واللغة والثقافة والتراث والتاريخ وهو لا يعتمد الدين كأساس في تصنيف الحضارات إلا في حالة الحضارة الإسلامية فقط، من أجل التركيز على الصراع الحضاري إلا أننا ندرك الهدف من ذكر الصراعات في العالم وأن ما يحرك الغرب هو المصالح والثروة النفطية فقط، وتجاهل جميع الحضارات باستثناء الحضارة الإسلامية والصينية، وفي أمريكا أجري استطلاع واسع للرأي على حد قوله تناول 35000 مثقف أمريكي لديهم إلمام بالشؤون الخارجية، وكان السؤال: هل الصحوة الإسلامية خطر على الغرب؟ وجاءت الإجابة بنعم من 61% ممن شاركوا في هذا الاستطلاع. وتعزيز العداء لهما بزعمهم أن أكبر خطر قادم من الإرهابيين الإسلاميين وحضارة الصين، واكتشاف أهداف الفلسفة الصينية التي تحث على التماسك الاجتماعي والمقاومة السياسة واحتفاظها باستقلالها وتمسكها بالقيم الأخلاقية، وهذا الدور لا يتوافق مع سياسة الغرب التي تعمل على منوال " فرّق تسد" إضافة للترويج لهذا العداء في أوروبا وروسيا وأفريقيا وصنع لائحة طويلة بالصدام ضدهم من مخطط صهيوني متجذر في السياسة الغربية. إن المقصد الذي يهدف من خلاله المتكلم أو الكاتب هو تحرير المجتمع المعاصر من عقد دفينة أوجدها الغرب وجعل من الكائن المسلم والعربي على وجه الخصوص يعيش تحت سيطرة التهميش بمحض إرادته على حساب كينونة زمان تاريخه وحضارته، والتغاضي عن الذات التي جسدت أزمة الهوية والتعصب المؤدي إلى الانطواء والتحيز. وينبغي تنمية العقول وتحريضها على حب الحقيقة والبحث عنها في جميع وسائل المعرفة فالخطر صنعه الإنسان والدمار تم اختراعه من قبل العقول الفذة وتبنت مشروعه الدول المتقدمة وإن من الأهمية بمكان أن تواصل الجهود تطوير النظام الاجتماعي الذي يعيد الفرد والمجتمع لحضارة إنسانية تملك نفس العناصر الثقافية المطلوبة والتي تستنهض قيم الحياة، لأن الإنسان حاضر بكل مالديه من المفاهيم ويستطيع إعادة بناء ما تحطم من جديد. فالاستمرار طريق ممهد إلى المستقبل وهذا ما يبحث عنه الإنسان في الأرض، فالبحث عن هذه الحقيقة هو إحياء محكم تقادم عليه الزمن ولازال سالكا، فطرق العيش تغيرت وارتبطت بالإنجازات على أرض الواقع، وأن ما يدور حولنا أعادنا بعد غياب طويل إلى ساحة الحضارة.