×
محافظة مكة المكرمة

لجنة طبية عاجلة لدراسة أوضاع أقسام الطوارئ بمستشفيات محافظة جدة

صورة الخبر

يعيد أسر الطيّار الأردني معاذ الكساسبة، الأسئلة القديمة التي كانت تُطرح عند كل حرب، أو حلف عسكري، أو مواجهة مسلحة مع الخارج: هل هي حربنا؟ وترنو هذه الأسئلة، عادة، إلى البحث عن إجابات تبرّر مشروعية الحرب، أو الانخراط في التحالف لمواجهتها وخوض غمارها، وهي إجابات لا تسعى فقط إلى تبريرات سياسية عاجلة، بقدر ما تطمح إلى إجابات أخلاقية. ومن هذه الإجابات تُشتّق الأحكام الدينية، باعتبار أن للأخلاق أسبقية تاريخية على الأديان. ويكاد يتوّحد الأردنيون على اعتبار قضية الطيار الأردني الأسير لدى «داعش» أمراً وطنياً بامتياز، لذا راحوا يطلقون شعار»كلنا معاذ» الذي أعلنت الملكة رانيا العبدالله عن تبنيها له من خلال حسابها الخاص على «إنستغرام». وحض نشطاء، على مواقع التواصل الاجتماعي القيادة الأردنية على «عمل المستحيل» من أجل إعادة الطيار الأسير إلى أهله سالماً في مدينة الكرك الجنوبية. وثمة محللون راحوا يقترحون حلولاً سياسية وتفاوضية عبر الاتصال بتركيا وقطر، أو التواصل مع قادة في تنظيم «داعش» بعضهم أردنيون مثل الدكتور سعد الحنيطي على رغم ما غرّد به على «تويتر» مخاطباً أمَّ الطيار الأردني المأسور: «هل تعلمين كم أماً مسلمة ثكلى بسبب إبنك؟ هل تعلمين أنه ينصرُ عباد الصليب على أهل التوحيد؟»، ثم «كل من يقاتل مع التحالف الصليبي فرِدّته ردة مغلظة»، وفي تغريدة ثالثة: «مبارك لجميع إخواني المسلمين إسقاط الطائرة الأردنية وأسر قائدها». وتعكس هذه الخيارات، إن كانت هي المطروحة دون سواها، ضيقاً شديداً في مساحة المناورة للإفراج عن الطيار الأردني الأسير. ولم يُطرح أو يُلمّح إلى خيار الحل العسكري أو الاستخباري لإنتشال الطيار من براثن «داعش» علماً أن الاستخبارات الأردنية ذات خبرة واسعة في هذا المضمار، ولها أذرع وصلات مع المجال الحيوي والعشائري الذي يتحرك فيها «تنظيم الدولة». وما يزيد من صعوبة تحرير معاذ الكساسبة أن جهوداً إقليمية ودولية بُذلت من قبل لتحرير أسرى لهذا التنظيم وذاك من تنظيمات السلفية الجهادية، ولم تثمر عن مكاسب حقيقية، باستثناء العملية الغامضة التي قام بها الأتراك لتحرير 49 رهينة في أيلول (سبتمبر) الماضي بعد احتجازهم ثلاثة أشهر، وهي عملية رفض الرئيس التركي كشف ملابساتها، ما حدا بصحيفة «الإندبندت» البريطانية لتوجيه أصابع الاتهام إلى تركيا «بالتواطؤ مع داعش للتصدي إلى أكراد سورية، فضلاً عن زيادة الشكوك حول علاقة أنقرة الغامضة مع زعماء داعش». ويعدّ الطيار الأردني صيداً ثميناً لداعش، فهو ورقة سياسية لتحدي النظام الأردني والرد على «تورطه» في هذه «الحرب الصليبية على الإسلام» كما يصفها التنظيم، علاوة على أن الطيار الأسير، إن لم يتم إعدامه، سيكون قناة تفاوضية مهمة للإفراج عن معتقلين في الأردن ينتسبون إلى فكر «داعش» و»القاعدة» والتنظيمات الجهادية، من بينهم العراقية المحكومة بالإعدام ساجدة الريشاوي التي أرسلها الأردني أبو مصعب الزرقاوي لتفجير أحد فنادق عمّان عام 2005، وكذلك ما ينوف عن 200 معتقل داعشيّ. وربما يحاول «داعش» ابتزاز الأردن أكثر من ذلك بإجباره على إعلان انسحابه من التـــحالف الـــدولي، لا سيما أن مصادر التنظيم ناقمة على الأردن، ليس لمشاركته الجوية في قصف مواقع التنـــظيم في العراق وسورية وحسب، بل لتدريبه مقاتلين من دول أخرى لمحاربة «داعش»، وأيضاً لمشاركته، كما يزعم التنظيم ومصادر غربية، في شكل سري بقوات خاصة في وحدات أمنية إستخبارية أميركية وبريطانية وفرنسية في العراق وسورية. لا شك في أن الأردن الآن في مأزق حقيقي، خصوصاً إذا ما تذكّرنا محنة السفير الأردني لدى ليبيا فواز العيطان الذي اختطفته جماعات ليبية متطرفة أجبرت السلطات الأردنية على التفاوض مباشرة معها، وأرغمتها في أيار (مايو) الماضي، على مبادلة السفير بالمحكوم الليبي في السجون الأردنية محمد الدرسي الذي كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة بعد إدانته بمحاولة تفجير مطار الملكة علياء لصالح تنظيم القاعدة. والمعتقلون الجهاديون في الأردن غالبيتهم يقضون مدد محكوميتهم نتيجة تورطهم في أعمال إجرامية، أو التخطيط لها، ما يبرر للسلطات المبادءة في شن الحرب على معاقل التنظيم الذي وصفه متحدث باسم القوات المسلحة الأردنية بأنه «لا يخفي مخططاته الإرهابية، حيث قام بالكثير من العمليات الإجرامية من تدمير وقتل للأبرياء من المسلمين وغير المسلمين في سورية والعراق». ولعل ذلك ما يمنح الأردن المشروعية الأخلاقية والسياسية لخوض الحرب ودفع أكلافها، قبل أن تقترت نيرانها من أقدام الأردنيين. * كاتب وأكاديمي أردني