تكتسي القارة الإفريقية أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والسكان والتنوع الثقافي والجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، الأمر الذي جعلها محط اهتمام العديد من القوى الدولية الكبرى في العقود الأخيرة. تتقاسم الدول العربية والإفريقية العديد من العناصر والمقومات المشتركة التي تجعل منهما أقرب إلى بعضهما بعضا؛ ذلك أن ثلثي سكان المنطقة العربية أفارقة؛ كما أن الإسلام هو الدين الأول في إفريقيا، وما يقرب من ثلثي إفريقيا عرب، ويعني ذلك أيضاً أن أغلبية العرب أفارقة.. وتمتد جذور العلاقات العربية - الإفريقية إلى عصور قديمة؛ وقد أسهمت ظروف الاحتلال الأجنبي في كبح تطور هذه العلاقات، غير أنها سمحت من جهة أخرى في تعزيز مظاهر التعاون والتنسيق بين الجانبين في إطار حركات التحرر الوطني الساعية للاستقلال، وتطور الأمر مع إنشاء جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية وحركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة ال 77.. سمحت ظروف الكفاح الوطني ضد المحتل بتنسيق المواقف إزاء العديد من القضايا المشتركة؛ وهو ما ترجمه رفضهما معا للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية من جهة؛ وإدانتهما لسياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا وروديسيا (زيمبابوي) من جهة ثانية.. يشكل هذا الرصيد التاريخي للعلاقات بين الجانبين والمدعوم بمقومات بشرية وطبيعية وثقافية مشتركة، أرضية خصبة لنسج شراكة استراتيجية واعدة قادرة على مواكبة التحولات الدولية الراهنة.. تشترك العديد من الأقطار العربية ونظيرتها الإفريقية في الكثير من القواسم والمقومات البشرية والطبيعية والحضارية والاقتصادية والسياسية.. التي تدعم التعاون بين الجانبين وتجعله مطلباً ضرورياً واستراتيجياً تمليه المصالح الاستراتيجية للطرفين. وتتموقع الدول العربية والإفريقية في مناطق استراتيجية مهمة؛ سواء تعلق الأمر منها بالبحر الأحمر وقناة السويس ومضيق جبل طارق.. تسمح لها بلعب أدوار وازنة على الصعيد الدولي وتفرض تنسيقاً وتعاوناً لمواجهة مختلف التهديدات.. كما تواجه مختلف الأقطار العربية والإفريقية تحديات مشتركة، من قبيل تعثر مشاريع التنمية وتنامي الصراعات والنزاعات الداخلية، وتهديدات مرتبطة بالهجرة والإرهاب والتهريب والتدخلات الأجنبية.. التي تفرض مجابهتها في إطار من التنسيق والتعاون. لا يعكس مستوى العلاقات العربية - الإفريقية حجم وأهمية هذه الفرص؛ ذلك أن هناك ضعفاً كبيراً يعتور التمثيل الدبلوماسي العربي في عدد من الأقطار الإفريقية؛ كما أن الاستثمارات العربية في دول إفريقيا ما زالت ضعيفة، مقارنة مع نفس الاستثمارات العربية التي تباشر في مناطق أخرى من العالم (أوروبا وأمريكا وآسيا..)؛ ففي مقابل العلاقات الوطيدة التي تربط عدداً من الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا بإفريقيا وتدعمها اتفاقيات مهمة تشمل مختلف المجالات والميادين، ظلت علاقة العرب بإفريقيا في مجملها سطحية ومرحلية.. تزايد التنافس الدولي على القارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين، وقد زاد من حدته ظهور مجموعة من الاكتشافات البترولية؛ وتصاعد أهمية المواد الخام التي تحفل بها القارة، وارتفاع نسبة الطلب عليها في الأسواق العالمية. وهكذا توجهت العديد من القوى الدولية الكبرى إلى تعزيز علاقاتها مع دول القارة، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وروسيا.. ونجحت الصين في نسج علاقات جيدة مع أكثر من أربعين دولة إفريقية، ما سمح لها بتعزيز تواجدها الاقتصادي والتجاري بالقارة السمراء، فيما سعت العديد من القوى الدولية الصاعدة كتركيا وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية.. إلى تمتين علاقاتها مع بلدان إفريقية عديدة. وتمكنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع عدد من الدول الإفريقية، مستفيدة في ذلك من الفراغ الذي خلفه الغياب العربي في هذا الشأن، ما سمح لها بالتمركز في مناطق تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لأمن بعض الدول العربية بصورة خاصة أو الأمن القومي العربي بشكل عام كمنطقة البحر الأحمر.. ظل الحضور الاقتصادي والتجاري العربي في إفريقيا دون المطلوب والمأمول، فإذا استثنينا بعض المحاولات الاستثمارية في القطاعين العام والخاص لكل من مصر والإمارات والكويت والمغرب ومصر ولبنان وليبيا واليمن، فإن غالبية الدول العربية لم تقتنع بعد بأهمية الاستثمار في هذه البلدان؛ ولا يخفي الكثير من المقاولين والمستثمرين العرب تخوفهم من الاستثمار في إفريقيا لاعتقادهم بأن الأمر ينطوي على قدر من المجازفة والمخاطرة.. لقد شهدت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أسهمت في تحقيق نوع من الاستقرار والتداول السلمي على السلطة في عدد من الأقطار، كما أسهمت في رسم صورة مشرقة عن القارة؛ بعيدا عن الصور النمطية المرتبطة بالحروب والأمراض والمجاعات والانقلابات.. وهو ما كان له الفضل في حدوث تحسن ملحوظ في بيئة الاستثمار بعدد من الدول الإفريقية وتزايد الاهتمام الدولي بالاستثمار في هذه القارة.. إن دعم العلاقات العربية مع الدول الإفريقية التي يصل عددها 53 دولة؛ في أفق بلورة استراتيجية متوازنة؛ هو خيار استراتيجي يمكن أن يسهم في تقديم نموذج واعد على مستوى التعاون جنوب - جنوب؛ بعيدا عن الهيمنة والاستغلال. إن علاقة العرب بإفريقيا ينبغي أن تتجاوز المجاملات الدبلوماسية الرسمية وتوجيه المساعدات الإنسانية؛ إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة؛ تستند إلى منطق تبادل المصالح في مختلف الميادين والمجالات؛ سواء تعلق الأمر منها بدعم الاستثمار في هذه القارة العذراء أو وإحداث مراكز ثقافية عربية في مختلف أقطارها أو عقد شراكات واتفاقيات وتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات والميادين، بما يعطي لهذه العلاقات طابعاً من الأهمية والاستمرارية؛ ويضمن دعماً إفريقياً فاعلاً لمختلف القضايا العربية ودعماً عربياً لمختلف القضايا الإفريقية، ويسمح بإخراج هذه العلاقات من طابعها السطحي والمرحلي إلى علاقات استراتيجية كفيلة بدعم جهود التنمية لدى الطرفين وبتنسيق المواقف والسياسات إزاء مختلف القضايا التي تهم مصالح الجانبي، في عالم كثرت فيه التهديدات والمخاطر؛ ولم يعد فيه مكان لتحرك الدولة إلا في إطار تكتلات قوية. drisslagrini@yahoo.fr