إن الكتابة عما تكتبه المرأة لا تشبه الكتابة عن القديم والجديد أو الكتابة عن الشكل والمضمون، والأدب الملتزم واللاملتزم؛ لأن الخوض في تلك العناوين قابل للتفنيد والمناقشة وفق تراكمية نسبية. أما التساؤل عن الهوية بمعنى: من المؤلف؟ وهل هو ذكر أم أنثى؟ هذا سؤال استفزازي لا يندرج ضمن جوهرية السمو الفني أو السعادة المعرفية والإبداعية الطامحة إلى رصد حركة المجتمع وإيقاعه المتداخل بواسطة الأدوات اللونية الساحرة؛ تلك التي أرى اليوم أنها تقوم على ألا تصبح الشجرة قصة أو قصيدة وإنما الجزء من الشجرة، والعصفور ليس مادة وإنما الريشة والمنزل ليس كله فكرة وإنما النافذة وثمة قيم أخرى تتعلق بأجزاء داخلية من النفس لا يذهب إليها عادة أي منا، ولكن من يذهب إلى تجسيدها يصبح فناناً سواء تناولها بمشاعر الذكر أم بمشاعر الأنثى المهم هل أثرت بالمتلقين وأمتعتهم ويختلف تبعاً لذلك شكل الدلالة باختلاف القارئ إلا أن ذلك يكون استثناءً في معايير البناء الجمالي «فالجمال موجود في الشيء – خارج ذواتنا – أو كما يسميها (نوبلر) التجربة نفسها وعندما تلتقي التجربة الذاتية بالشيء هي التي تثير فينا الحس بالجمال» إذاً البطولة الكلاسيكية لم تعد قادرة على تلبية طموحات المغايرة؛ لأن البطولة ليس لما هو متعارف عليه وإنما لما هو مختلف، وأستطيع أن أقول إن البطولة لم تعد للذكر أو للأنثى، بل للنص وحده وربما رأى أحدهم غير ذلك. إن الوعي بمثل هذا الشاغل يغدو حقيقياً عندما يستأثر الذوق بالمعرفة وتتصل الكتابة بمداها في فضاء النص وينحسر ذلك القصد في التعبير أمام الكثافة الشعرية والشاعرية التي تحددها الموهبة في انسياباتها نحو وديان الجمال المعبأة بروح العصر. واكتمالية اللغة في ذوبان الجنوسة.. نستطيع إجمال هذا المفهوم برصد عدة اعتبارات تتعلق بأدوات التخييل تارة وتارة بإغفال الابستمولوجي في مخاطبة الظواهر النصية والأدبية والاجتماعية؛ وأردت التركيز هنا من باب تجديد الخطاب وتثويره وليس من باب اللوم.. ومن ذلك تهّيب المرأة المستمر من اقتحام المجهول والذهاب إلى المغامرة خوفاً من النظرة الأيروتيكية للرجل وهو حذر يتعلق باللا شعور وأحياناً بالنظرة الميتافيزيقية للمركزية الذكورية المتوارثة مشاريعها فردية.. وهو ميل تكويني يتعلق بالتربية، تميل في أعمالها إلى وصف (قضيتها)على أنها (قضية) تهميش ويعمل هذا الاشتغال على إفقار أعمالها من البريق الأخاذ لأدوات السحر الجمالي. الذهاب إلى زاوية تسمى بالأدب النسوي جاء وكأنه ترسيخ مبطن لتهميش مستقبلي. يجدر بنا أن نشير هنا إلى ضرورة إعادة النظر في مسألة التمرد وكيفيتها، فالمرأة ترى بأن الفشل حادث كبير يصيب المرأة وبأن المجتمع هو الذي يدفعها إلى ذلك وربما لا تنظر إلى التمرد الذي يحمل في أعماقه جنون الحب وضوء الحقيقة وذلك لفقدانها الاتزان جراء احتشاد الموروث التاريخي والشعبي لتحريك وجه العالم باتجاه تفوق الرجل الإيجابي على المرأة السلبية وإعادة صياغة هذا المورث الآن هو الذي سيوازن بين الذكورة والأنوثة، فنادراً ما تلجأ الكاتبات إلى البحث عن أدوات جديدة للتعبير من داخل الجسد الإبداعي الذائب في اللغة وكأن الإبداع من رسومات (مركزية القضيب). تقف المرأة المبدعة عند أول مشكلة تواجهها وترى أنها تواجه حياة سوداوية وغير معقولة ولو أنها دققت في الأمر لعرفت أن ذلك من المحطات المشتركة بين معظم المبدعين، فهناك من تتأثر بالتفسير المسبق لأعمالها: على أنها شيء من بهجة الجنس وليست من بهجة اللغة والجنس والوجود وهناك من تقع فريسة سهلة للأحزاب السياسية خاصة الحاكمة التي تدعي بأنها ستساويها بالرجل الأمر الذي سحبها من موقع الثقافة والأدب، والحقيقة أن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى إبداع المرأة من أجل تعزيز الرؤية الفلسفية والعلمية للوجود والكون والتاريخ.. ألم يقل (سارتر) إن الرواية تاريخ للجانب غير الرسمي؟ فكيف يمكن التحليق في فضاء التاريخ بجناح واحد دون الاعتماد على جناحين في جسد. يقودني الحديث عن هذا الموضوع إلى إشارة (هيجل) إلى أن إعادة بناء تاريخ الفن لا تتأتى إلا على نحو تأملي. ما يعني أننا ملزمون تاريخياً بإيجاد صياغة منهجية بعيداً عن تهويمات ذكورة الذكورة أو أنوثة الأنوثة. وفي هذا السياق رأت أحلام مستغانمي أن نجاح الكاتب مرهون بأن ينسب القارئ الكتاب لنفسه – سواء امرأة أم رجل - فحينما يحبه سيتبناه؛ وهذا ما يحصل عندما يرى أن الشعر يشبهه فهو يقوم بحفظه وليس غريباً علينا ما حصل مع الشاعر نزار قباني فقد كان شعره يشبهنا جميعاً إلى حد التطابق. عندما أطلق أفلاطون فكرة الجمال الخالد والمطلق كان يرى أن الأشياء أو الكائنات تكون جميلة لأن فيها انعكاساً للصورة العليا للمثل الأعلى للجمال المثالي، فالفن في نظر أفلاطون هدفه هو إعادة خلق الجمال الأسمى الذي نلمحه لمحاً والإبداع داخل هذا الجمال.