×
محافظة مكة المكرمة

جدة: «الأمانة» تنفذ 5 جسور مشاة «عاجلة» في المواقع الخطرة

صورة الخبر

يؤكد الكاتب والقاص والباحث محمد بن ربيع الغامدي أن تبحره في عالم الأساطير والحكاية الشعبية بدءاً من الأمثال الشعبية ثم عالم الشعر الشعبي.. كما يتطرق الغامدي إلى أن أمتنا العربية على موعد مع نهضة ثقافية كبرى إن بقي فيها حياة بعد فوضى الربيع العربي. . متى شُغلت بجمع الأساطير والحكاية الشعبية؟ - كانت الأمثال الشعبية هي بوابة دهشتي الأولى، منها دخلت إلى عالم الشعر الشعبي والحكاية الشعبية وسائر الموروث الشعبي النظري والتطبيقي السائد والمتداول في منطقة الباحة خاصة منذ انتقالي إليها في عام 1396 ه، وكانت شرارة الاهتمام الأولى قد بدأت في اللحظة نفسها التي دار الكلام فيها مع (شيبان) ذلك الزمان حول «صافرة ونافرة» فاشتعل البحث، ورغم ما توافر لدي حتى الآن فالبحث ما يزال جارياً عن أساطير وعن حكايات أخرى وعن دفائن لا تقدر بمال. . كم من الوقت استغرق ذلك؟ - منذ عام 1396 ولم أتوقف بعد فالبحث قائم حتى آخر أيام العمر، المنطقة ثرية جداً بأساطيرها وحكاياتها وأوابدها، وقد صنفت ما تم توثيقه حتى الآن في ثلاث مجموعات، ما عثرت عليه في ذاكرة الفواجع المنسية، وما وجدته في ذاكرة الملوك الحفاة، ثم ما عثرت عليه في بقايا الفلك المشحون. ذاكرة الفواجع . لماذا ذاكرة الفواجع المنسية؟ - في واقع الأمر فإن العنوان هو الشيء الوحيد الذي تصرفت فيه وما عدا ذلك فقد تركته كما هو، أخذاً عن أفواه الرواة مباشرة، أو نقلا ًعنهم، ومن خلال معاشرة طويلة جداً لتلك الفئة من المرويات داخلني شعور أن كل مروية فيها ما هي إلا شرنقة تختبئ داخلها فاجعة، والإنسان في مسيرته العظمى مجابه بفواجع كثيرة، بل خُلِق في حضن فاجعة، على عمق قرون بعيدة جداً كانت الانهيارات والانهيالات الجبلية العنيفة، غضبات الطبيعة من حوله، الظلام المتربص، الفقد الأعمى الذي ينغرس في اللحم الحي بقسوة وبلا تراجع وبلا حلول إطلاقاً وغير ذلك. الأسطورة والحكاية . ما وجه الشبه والاختلاف بين الأسطورة والحكاية؟ - هما ظاهرتان ثقافيتان قائمتان على السرد المحمّل على حبكة ذات بداية ونهاية وشخوص وأحداث، والجمع بينهما قائم منذ ألواح شمّر مروراً بميثولوجيا الإغريق وإلى يومنا هذا، والتمييز بينهما يتضح بتقادم التعامل مع نصوصهما وللنقاد تفصيلات أخرى كثيرة في ذلك توشك أن تسفر عن قوانين لكن الاختلاف على أي حال يكمن في القيمة الفكرية لكل منها وفي مساحة الحدث وعوالمه وطبيعة أشخاصه. القلق والخوف . القلق والخوف متلازمة كيف تجاوزت ذلك أثناء جمع وتقسيم الكتاب؟ - عندما يستبد بي القلق كنت أنتقل إلى مهمة أخرى ثم أعاود العمل بعد حين، وعندما يداهمني الخوف كنت أراجع أهدافي فيطمئن قلبي. . في الغرب استغلوا أساطيرهم في الأعمال السينمائية فشكلوا بذلك داعماً اقتصادياً فلماذا لا يستغل العرب ذلك؟ - لو لم يكن للأساطير إلا العالم البديل الذي توفره للمشاهد فيما لو وظفت سينمائياً لكفاها ذلك، ويبدو أن السينما العربية ما تزال بعيدة عن ذلك رغم وجود اهتمام سينمائي عالمي بالأسطورة ورغم اتكاء السينما الغربية على أساطير عربية كما فطن لذلك الناقد والتشكيلي سامي جريدي في مقالة له، وعني أنا فإني أرى أمتنا العربية على موعد مع نهضة ثقافية كبرى إن بقي فيها حياة بعد فوضى الربيع العربي، ومن الطبيعي أن تكون السينما مستفيداً أول من تلك النهضة، وأن تكون الأسطورة والحكاية ماثلة على مائدة تلك النهضة السينمائية. السعلية والداراكولا . ما وجه الشبه بين السعلية والداراكولا؟ - في عالم واحد يتثاقف أفراده رغم المسافات والاختلافات لا أستبعد أن يكون السعلى والداراكولا يعودان إلى أصول واحدة، وبينما استقر الرأي حول الداراكولا باعتباره مصاص دماء فإننا لا نجد في موروثنا (وبالذات في منطقة اهتمامي) استقراراً حول ما تفعله السعلية والسعلى بضحاياهما، فمرة نجد الضحية في قدر على نار مستعرة، ومرة نجدها على قيد الحياة معلقة في بيت السعلية ومرة نجدها شغالة منزلية عند السعلية أو السعلى، وهناك رأي سمعته من واحد من مصادري يقول إن السعلية هي امرأة عادية دفنت حية عن طريق الخطأ ثم عادت لوعيها داخل القبر وأخذت تحفر من الداخل حتى تحجرت أناملها وعندما نجحت في الخروج من قبرها كانت على هيئة مخيفة فلم يتقبلها أحد فعاشت في الغابة متوحشة ناقمة على البشر، وهذا ينسحب أيضاً على السعلى، والسعالى على أي حال موجودون في الفكر العربي عامة وما أكثر الشواهد ولكن يحضرني قول الراجز الذي بات شاهداً من شواهد قطر الندى وبل الصدى في النحو: لقدْ رأيتُ عَجَباً مُذْ أمسا عجائزاً مِثْلَ السعال خَمْساً يأكلْنَ ما في رَحْلِهنّ هَمْسا لا تَرَكَ اللهُ لهنّ ضِرْسا ولا لَقِينَ الدَّهْرَ إلاّ تَعْسا الحكمة والحكايات . وراء كل حكاية حكمة فما الحكمة من كل من (يا خالي المخلخلة - أبو نقطة - بسيس عمار جم بح، جم بح جلاجل)؟ - هذا صحيح لكنها تعتمد على فطنة القارئ أو السامع، في الأصل لم تكن تلك الحكايات مكتوبة، كانت ترويها الجدات والأمهات ويحتفظ الأجداد والآباء بنسخ ذهنية كاملة لكل حكاية، لا يمارسون الحكي ولكنهم يتدخلون للتذكير، هذا التدخل هو بمثابة إشراف تربوي على سير الحكاية لتصل حكمتها - دون تدخل أيضاً - إلى ذلك المتربع على بساط الدهشة أمام أمه أو جدته. . في رأيك هل تشكل الأساطير الشعبية ثراء معرفياً كيف يستغل ذلك في تنمية الثقافة؟ - العلم هو البوابة الشرعية للمعرفة، ذلك أن للعلم محصلاته ومكاسبه التراكمية وهذا ما لا يمكن أن يكون للأساطير والحكايات المتوقفة عند حد ثابت، ومع ذلك فلا يمكن استبعادها من دائرة الثراء المعرفي من حيث محتواها أو من حيث موقعها كعلامة، ثم إن البحث في الأسطورة أو الحكاية (قد) يأخذ بيد الباحث إلى حقائق معرفية كانت محجوبة بغطاءات السنين. جيل اليوم والأساطير . جيل اليوم مشبع بمعرفة الأساطير الغربية والعالمية فكيف ننمي فيهم معرفة الأسطورة العربية؟ - الغرب دوّن حكاياته وأساطيره وقدمها للعالم على أكثر من طبق ولذلك وصلت لا إلى الأجيال المعاصرة فحسب، بل إلى كل الأجيال، كان موقفهم من موروثهم موقفاً حميماً لما دربوا أنفسهم عليه من التسامح واتساع الرؤية، وعندما ندرب أنفسنا على ذلك فسنقدم أساطيرنا وحكاياتنا وأوابدنا على أكثر من طبق وستتشبع بها الأجيال التي تعيش تلك المرحلة. الأسطورة في القصة . ما الهدف من توظيف الأسطورة في القصة والرواية؟ - لكل كاتب أهدافه التي يسعى لتحقيقها من وراء ذلك، ولا غرو فالأسطورة والحكاية والخرافة والآبدة كلها أدوات تعبيرية يمكن للكاتب أن يؤثث بها عوالمه التخييلية، وقد يختلف التوظيف من كاتب لآخر بين مقتصر على رمز معين وبين حاشد للأسطورة كاملة داخل المشروع، قد يتخذ الكاتب من الأسطورة قناعاً وقد يخلق منها فضاء أسطورياً يدمغه ببصمته الخاصة، ولكل امرئ فيما يحاول مذهب. . هل تسهم الأساطير في إثراء خيال الطفل؟ - هذا مؤكد جداً فإن خيال الطفل قابل للتأثيث ولكن عملية تأثيث خيال الطفل هي عملية خطرة جداً؛ ولذلك تباينت الآراء حول تقديم الأسطورة للأطفال، هناك من رأى فيها مصدر فزع وقلق وتغييب للطفل عن واقعه ومن هؤلاء تولكين من كبار الذين كتبوا للطفل بينما يرى فيها أندرولانج بيئة مناسبة لتخصيب الخيال وتوسيع الأفق، ومن وجهة نظري فإني أفضل تقديم تلك الحكايات والأساطير مخففة للطفل، تخلو من كل شائبة لا تناسب سن الطفل وعندما ينضج ويشتد عوده سيقرأها كما هي فيتفهم رسالتها بشكل أفضل. استحداث مراكز . ما الواجب الذي يفترض أن يُفعل لتكون الأسطورة فقرة حيوية من أنشطة العمود الفقري الثقافي في السعودية؟ - لا بد من استحداث مراكز تهتم بالأساطير المحلية والحكايات الشعبية والأمثال والشعر الشعبي وأشكال الموروث الشعبي كافة ما كان منه نظرياً وما كان منه تطبيقياً لتكون تلك المراكز بيئة حفظ وتوثيق وتصنيف على أسس علمية يستفاد فيها من تجارب العالم المحيطة بنا، كما تكون مجتمعاً علمياً لدراسة ذلك الموروث بأدوات متخصصة وتكون له وسائل النشر الورقية والإلكترونية المناسبة لمهمته. . من وجهة نظرك هل يوجد اختلاف في الأسطورة على صعيد مناطق المملكة من حيث المفردة أو طريقة السرد؟ - الذي ظهر لي حتى الآن أن التشابه يفوق الاختلاف بكثير وأن القواسم المشتركة بين تلك المناطق كثيرة ومنطقية، المغزى يكون واحداً في الأغلب الأعم، وربما تتباين المفردات تبعاً لتباين اللهجات لكن آداب السرد غالباً ما تكون متشابهة خاصة في فاتحة الكلام وفي خاتمته، لكن رأيي هذا قد لا يعبر بدقة عن واقع الحال لعدم إلمامي بكل ما في تلك المناطق من حكايات وأساطير. . في السابق أيهما كان أقدر على سرد تلك الحكايات المرأة أم الرجل؟ - كلاهما قادر على الحكي، لكن المرأة أكثر صبراً وأقرب تناولاً وأرحب صدراً ومع ذلك فذاكرة الرجال كما رأيت أكثر وثوقاً، معظم الحكايات التي دونتها هي مما سمعته من أمهاتي وعماتي وخالاتي نساء القرية التي عشت طرفاً من طفولتي فيها لكني لم أعثر عليها كاملة مهيبة إلا على أفواه الرجال الذين قابلتهم على مدى ثلاثين عاماً مضت.