بجهد حاولت تذكر ملامح تساعد على تمييز عامنا الراحل هذا، وبصراحة فشلت باستثناء ومض أسماء لراحلين لم يكونوا كثرا على مشهدينا المحلي والعربي. عام محايد الشكل والصفات انطوت أيامه المملة بسرعة على غير عادة الملل، لا معارك ولا سجالات ولا كتب مثيرة ولا فضائح ولا شتائم ولا مفاجآت ولا إصدارات، مضت شهوره لا تحمل سوى تطورات "داعش". المقالات التجريدية استمرت في تأدية دورها وحضورها المستمر منذ عقود رغم أن أحدا لا يأبه. الإخوانيات الشعرية كما هي وستظل منبئة عن طفولات ذائقية وفهم منقوص للشعر والحياة. القراءات النقدية لا تزال تجامل نفايات نصية هنا وهناك بين مطبوعة وأخرى، البرامج التلفزيونية التي لا يشاهدها أحد لا تزال تلهث بحماس حتى لا يشاهدها أحد. المهرجانات عينها في المنطقة تتضاءل وتتقلص وتفقد في كل دورة عددا من وجوهها المزمنة. تلتهم العزلة بأنياب الإحباط واليأس كل يوم فنانا ومبدعا لتقصيه في متاهتها. حاولت بقوة وحماس تذكر ما يمكن تذكره وعجزت باستسلام بارد، لا أسماء ركزت في الذاكرة كمسامير، لا كتب أدهشت، لا مشاريع مبشرة، والمعارك ذاتها من نصف قرن والحجج عينها والأطراف هم هم، لا قضايا جدلية، لا أصداء جاذبة.. انغلقت منابر الثقافة العربية كل على قضاياه اليومية واشتبكوا ما بين السياسي والسياسة والديني والمتدين واليومي والحياتي في معركة وجود، وفي معارك الوجود من الصعب أن تسأل عن العقل والمنطق. التهمت السياسة بتطوراتها كل شيء، ترك المثقفون صفحاتهم ومقاهيهم وكتبهم وصحفهم وتفرغوا للتحليل السياسي الذي لا يتوقف ومطاردة أخطاء الأحزاب والشخصيات والمواقف الدولية، قبلوا بأدوار أقل في مشهد الحياة والفاعلية، حلموا بمستقبل أجمل وحرية أعرض وأشمل. اختصرت الأحداث السياسية وصراعاتها التي يبدو أنها لن تنتهي كل شيء ونمطت الأيام والأشهر حتى عبرنا عاما كاملا دون أن نلتقط منه ما يجعله مختلفا وبالتالي يجعلنا مختلفين. عبرتنا الأيام بمباغتة وتركتنا ذاهلين نحاول أن نتذكر شيئا واحدا، حدثا واحدا، مناسبة، كتاب، شائعة، معركة، سجال، تفاهة عابرة.. ولا نجد.