لم تعد مساعي المملكة العربية السعودية تقتصر على الحفاظ على إنتاج البن التقليدي بمزارع جنوبي البلاد، بل بات حلمها أن تصبح واحدة من أكبر منتجي حبوب القهوة ذات الجودة العالية في العالم. وتعمل الحكومة السعودية حالياً على تشجيع المزارعين، خاصة في منطقة محافظة جازان الجبلية، على زراعة أشجار البن على المدرجات الجبلية المخصصة لها، والتي تم إهمالها لعقود طويلة، أو تم التخلي عنها للرعي. الرياض عبر مساعيها المكثفة لتعزيز زراعة حبوب القهوة تدرك أن هذه الزراعة ستكون رافداً مالياً مهماً لها، خاصة في ظل مساعيها المكثفة لتنويع اقتصادها ليبتعد عن الاعتماد على النفط كمورد رئيسٍ له. وتصنف المملكة من أكثر دول العالم استهلاكاً للبن، وتقدر الكميات المستوردة سنوياً للأسواق السعودية من البن بـ10 آلاف طن، إضافة إلى 50 ألف طن تستهلك من الإنتاج المحلي، ويبلغ معدل إنفاق السعوديين على إعداد القهوة أكثر من مليار ريال (نحو 270 مليون دولار)، حسب تقديرات وزارة البيئة والمياه والزراعة. أول مدينة للبن وفي 5 نوفمبر الماضي، أعلنت الشركة السعودية للقهوة عن إنشاء مزرعة بنّ، على مساحة تبلغ مليون متر مربع في مدينة جازان (جنوب غربي البلاد)، التي تعرف كموطن قهوة أرابيكا العالمية. وقالت الشركة المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، التي تم تأسيسها لدعم وتطوير قطاع القهوة في البلاد، في بيان، إنها تهدف إلى زراعة 5 ملايين شجرة بن بحلول عام 2030، على أن تطبق المزرعة إجراءات تشغيل قياسية عالمية، بما يساعد في تعزيز جودة قهوة أرابيكا، القهوة الخاصة بالمملكة، على حد وصفها. وأوضحت أن المزرعة ستوفر نموذجاً للاستخدام الأمثل للمياه في المنطقة، خاصةً عند انخفاض مستويات المياه خلال موسم الجفاف، مشيرة إلى أن إطلاق المزرعة يمثل حجر أساسٍ في خطط الشركة السعودية للقهوة الهادفة إلى تعزيز القدرة الإنتاجية من 300 إلى 2500 طن سنوياً، وذلك من خلال تطبيق أعلى المعايير وأفضل الممارسات العالمية. وأوضحت أن ذلك سيساعد في تمكين نمو هذه الصناعة الوطنية وتوفير فرص عمل جديدة، فضلاً عن تعزيز الإمكانات السعودية لتصدير أجود أنواع حبوب القهوة إلى الأسواق العالمية. وتعتزم الشركة السعودية للقهوة خلال السنوات العشر التالية استثمار نحو 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار) لتحقيق أهدافها. وفي العام 2021، وقعت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية عقد استثمار أول مدينة للبن في المملكة لمدة 15 عاماً، مع الجمعية التعاونية الزراعية ببلجرشي التابعة لمنطقة الباحة جنوب غربي المملكة. وأوضحت الوزارة في بيان لها آنذاك، أن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء من المنتجات والمحاصيل الزراعية، وتشجيع حركة الاستثمار الزراعي، وتنمية الغطاء النباتي، وإيجاد فرص وظيفية لأهالي المنطقة، وتعزيز دور الجمعيات التعاونية في السعودية. وأشارت الوزارة إلى أن المشروع يتضمن زراعة 300 ألف شتلة بُن عربي، وأشجار رمان ذات إنتاجية عالية. وذكرت أن موقع المشروع سيكون في قرية معشوقة بمحافظة القرى التابعة لمنطقة الباحة، وبمساحة تبلغ 1.662.373 متراً مربعاً. وحسب إحصائيات وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، فإن عدد أشجار البن بمدن الباحة وجازان وعسير لم يتجاوز الـ150 ألف شجرة عام 2017، وبفضل الدعم الحكومي تجاوز الرقم بعام 2022 الـ500 ألف شجرة. وتؤكد الوزارة في سلسلة بيانات أصدرتها بهذا الشأن، خلال السنوات الماضية، دعمها لمشاريع زراعة البن عبر برامج ومبادرات مثل تأهيل المدرجات الزراعية، وإيجاد تقنيات لحصاد مياه الأمطار. كما اتفقت الوزارة، في منتصف العام الجاري، مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد" لإدخال البن ضمن مشاريع الصندوق في المملكة. وأنشأت الوزارة وحدة أبحاث للبن بمركز الأبحاث الزراعية في منطقة جازان، وهي الأولى من نوعها بالعالم، وفق بيان سابق لها. وتستهدف هذه الوحدة العمل على تطوير زراعة البن وتنميته وتسويقه محلياً وعالمياً وفتح المجال للمزيد من الاستثمارات فيه. مبادرات حكومية وفي تصريحات صحفية سابقة، قال محمد آل عطيف، مدير فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة جازان، إن الحكومة تدعم مشاريع البن ببرامج ومبادرات عدة؛ منها مشروع تأهيل المدرجات الزراعية في 158 موقعاً، بعدد 1664 مدرجاً زراعياً بمساحة 899176 متراً مربعاً، تتوزع بين مناطق فيفا والعارضة والداير، في جازان. وأشار إلى إنشاء الحكومة مصنعاً للبن وتحويل 60 مزرعة بن إلى مزارع نموذجية وتأهيل كوادرها بشكل احترافي. ولفت آل عطيف إلى إنشاء وحدة أبحاث للبن بمركز الأبحاث الزراعية في جازان، حيث جاءت الموافقة على استحداثها؛ لنجاح منطقة جازان في زراعة البن، وتماشياً مع رؤية الوزارة في توطين الزراعات بالمملكة وتحسين جودة المنتج الزراعي. وفي السعودية لا تقتصر جهود تطوير زراعة البن على الوزارة المعنية، فعملاق النفط السعودي "أرامكو" تسعى لإنشاء مصنع لإنتاج البن في المملكة بعد زراعة آلاف الشتلات بمنطقة جازان. ومصنع "أرامكو" سيكون متكاملاً ويضم آلات لتجفيف البذور وفرزها وتحميصها وطحنها وتغليفها قبل تصديرها وصولاً للأسواق المحلية والعالمية. إنتاج بملايين الدولارات يبلغ سعر الطن الواحد من البن السعودي 60 ألف ريال (نحو 16 ألف دولار)، وتنتج شجرة البن الواحدة ما بين 8 و10 كيلوغرامات من حبوب القهوة، في حين يبلغ إنتاج المزرعة الواحدة نحو 5 أطنان. ومن ثم فإن سعر إنتاج كل مزرعة يصل إلى 240 ألف ريال (64 ألف دولار)، في حين يبلغ عدد مزارع البن بالمملكة نحو 900 مزرعة، يقدر العائد من إنتاجها بـ155 مليوناً و520 ألف ريال سعودي (57 مليوناً و600 ألف دولار). كما يبلغ حجم التجارة من استيراد وتصدير البن أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في جميع أنحاء العالم، و90% من حبوب البن تزرع في البلدان النامية اقتصادياً. وتشكل زراعة البن مصدر الدخل الأساسي لـ25 مليون أسرة في جميع أنحاء العالم، حسب صحيفة "بيزنس إنسايدر" البريطانية. ووفقاً لإحصاءات رابطة البن الدولية، يتم تصدير أكثر من 90% من حبوب البن مباشرةً من مزارعها الأصلية.