كثيرة هي التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني عامة والمرأة خاصةً، ولكنها مع كل ذلك أتثبت دائماً جدارتها وقدرتها على المواجهة، حتى باتت تنافس الرجل في تقلد المناصب العليا وسط قبول واعتراض من الناس، ولم يمنعها ذلك من أن تكون أماً وزوجة، ولكنها أطلقت لحلمها وطموحها العنان حتى وصلت إلى مكان لم تصل إليه مثيلاتها من النساء، فقبلت التحدي وخاضت غمار عالم طالما احتكره الرجال على مر العصور، إنها صمود الضميري أول قاضية صلح شرعي قي فلسطين التي تميزت في مجال عملها الجديد بسبب إيمانها النابع بحق المرأة في أن تكون حيث يكون الرجل في كل مكان لتثبت للجميع أنها الأقدر دائماً. والقاضية صمود عدنان الضميري المولودة في مدينة طولكرم بالضفة الغربية، هاجرت عائلتها من حيفا إبان النكبة في عام 1948، هي ابنة اللواء عدنان الضميري المدير العام للشؤون المعنوية بالشرطة الفلسطينية والمتحدث باسمها، حيث كانت لطبيعة عمل والدها العسكرية تأثير كبير في تكوين شخصية الفتاة المتميزة. صمود الحاصلة على درجة الماجستير في القانون من جامعة القدس وحاملة الإجازة في المحاماة الشرعية هي زوجة المحامي عبدالله أبو صاع، الذي كان له هو الآخر بصمة في طريق صمود نحو منصة القضاء، وترى الدنيا من خلال ولديها يوسف ومريم. عملت الضميري بعدد من المؤسسات والوزارات، منها وزارة الداخلية في الفترة مابين عام 2004 وحتى 2008، ثم كمستشارة قانونية لملف الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية، ومن ثم انتقلت في العام 2008 للعمل في وزارة العدل كمستشارة قانونية للملفات المتعلقة بالمؤسسات الحقوقية. أول قاضية صلح بفخر كبير عبرت الضميري عن سعادتها كونها أول امرأة تتولى منصب أول قاضية صلح شرعي في فلسطين، قائلة: «بالتأكيد أنا فخورة وسعيدة جداً بالثقة التي أولاني إياها الرئيس محمود عباس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لكنني في الوقت نفسه أشعر برهبة ومسؤولية عالية تقع على عاتقي تجاه هذا المنصب الحساس الذي يحتاج إلى عمل وجهد كبيرين». وفيما يتعلق بكيفية اختيارها كقاضية صلح شرعي قالت: «اجتزت امتحاناً قضائياً من قبل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وبناء على ذلك تم تعييني بموجب القانون المعمول به في الأراضي الفلسطينية»، مضيفةً: «انتظرت لحين توقيع المرسوم، وقد تم بعد ذلك إخباري بالطرق الرسمية وأديت اليمين القانونية في ديوان قاضي القضاة بحضور أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ورئيس وأعضاء المحكمة الشرعية ومديري العموم بديوان القضاء والآن أمارس مهام منصبي القضائي بدرجة «قاضية صلح شرعية». المرأة عضو فاعل باتت المرأة تلعب دوراً فاعلًا في المجتمع الفلسطيني وهناك دلالات كثيرة لذلك منها تولي الضميري لمنصبها الجديد، فتابعت حديثها قائلة: «هناك دلالات واضحة بأن المؤسسة الفلسطينية بشكل عام وليس فقط على مستوى القضاء باتت تعمد على الكفاءة وأن هناك تشجيعاً كبيراً ودائماً للمرأة على تقلد المناصب المختلفة إذا كانت تمتلك القدرة والإبداع»، مشيرة إلى أن المؤسسة الفلسطينية كانت وما زالت السباقة في تقليد المرأة المناصب الفريدة. وأضافت: «إذا كانت المرأة الفلسطينية قد تميزت على مدار أكثر من 60 عاماً في النضال من أجل قضيتها العادلة فمن الطبيعي أن تكون متميزة أيضاً في مواقع مختلفة ولديها القدرة على العطاء بشكل مستمر». دعم ورفض كل امرأة عندما تتولى منصباً ذا درجة عالية تتوجه لها الأعين والأفواه بعضها داعمة ومهنئة والبعض الآخر ينظر لها بعين الرفض والاستغراب، وفي ذلك تقول الضميري: «بصراحة الدعم الذي حصلت عليه كان كبيراً وبالتحديد من أهلي والفضل الكبير أيضا لزوجي، كما أن البيئة التي نشأت فيها لعبت دوراً مهماً في تكوين شخصيتي»، مضيفةً: «أما بالنسبة لمن عارضوا عملي كقاضية فقد كانوا يعتبرونه متناقضاً مع التشريعات الإسلامية، وأنا الآن لست بصدد الخوض في نقاشات فقهية لكني أقول إن التشريعات الفلسطينية تسمح للمرأة بتولي هذا المنصب وهذا جيد ومحفز للمرأة دوماً». عاطفة المرأة غالبة عاطفة المرأة دائماً الغالبة، وقد عرف ذلك عنها منذ زمن بعيد، كما أن عملها على رأي البعض أنه يمنعها من التوفيق والموازنة بينه وبين بيتها وسيكون أحدهما على حساب الآخر، فتتابع حديثها: «القضاء الشرعي هو قضاء أسرة يهتم بالشؤون الأسرية كالزواج والطلاق والمواريث والأحوال الشخصية للمسلمين؛ وهو مختلف عن القضاء النظامي»، مضيفة: «أما فيما يتعلق بقدرة المرأة على إصدار الحكم العادل نظراً لطبيعتها العاطفية فالمرأة التي تقلدت المناصب المالية والاقتصادية وغيرها تستطيع القيام بدورها بشكل كامل، وأعتقد أنها تستطيع تحمل هذه المسؤولية بجدارة وكذلك تستطيع تحمل الصعوبات كافة وتستطيع القيام بدورها في أي مجال إلا أن ذلك لا يعني عدم مساعدة ومساندة الأهل لها وبالتحديد الزوج». وعن عدم تقلد النساء في الوطن العربي حتى الآن مثل هذا المنصب قالت: «الأنظمة القضائية في الدول العربية مختلفة ولا يوجد لديها مسمى القضاء الشرعي فمثلًا مصر وتونس والمغرب لديها قضاء أسرة أما في الأردن فمنذ مطلع العام 2010 فقط جرى تسمية النيابة الشرعية». مشاكل وتحديات كثيرة هي المشاكل التي تواجه أي شخص يتقلد مناصب عالية فما بالك بامرأة تتقلد منصب قاضية شرعية، فالمشكلات تواجهها من كل صوب ولكن في كل مرة تثبت جدارتها وقدرتها على تحدى الظروف والمشاكل كافة، فتتابع: «المشاكل ليست قانونية بقدر ما هي تنفيذية فالقوانين ليست مجحفة ولكنها بحاجة إلى تطوير وتحديداً في الآليات، وهناك مشاكل أيضاً في تنفيذ الأحكام القضائية نتيجة الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة». وأوضحت الضميري أن هذه المشاكل موجودة في عدة جوانب أولها ما يتعلق بنصوص القوانين، فقالت: «هناك ما يحتاج منها إلى معالجة وهذا الأمر لا يمنع أن تكون القوانين جيدة أما الجانب الثاني فهناك أشياء لها علاقة بالآليات مثل النفقة الذي تم التوصل أخيراً لحلها بوجود صندوق النفقة، حيث يمكن المرأة أخذ نفقتها ومن ثم يتم التحصيل من الزوج فيما بعد، أما الجانب الثالث فهو متعلق بوعي المرأة لحقوقها وجرأتها على التوجه للقضاء للمطالبة بها، حيث إن هناك نساء يعتبرن ذلك من «العيب الاجتماعي». وأضافت: «أخيراً الانفصال بين الضفة والقطاع ألقى بظلاله على عمل النيابة الشرعية أو أن هناك قضايا قد تم إصدار الأحكام بشأنها لكن الصعوبات في التنفيذ نتيجة الانقسام بين شطري الوطن». وأشارت إلى أن هناك بعض الإشكاليات بصدد دراستها في المحكمة العليا وهي الدرجة الثالثة من القضاء الشرعي. طموح وآمال الإنسان الناجح هو الذي يملك طموحاً يسعى دائماً لتحقيقه رغم صعوبة الظروف التي يعيشها، وطموح الضميري كبير لا يتوقف عند حد معين فتقول: «طموحي كبير ولا يتوقف عند هذا الحد ولا أستطيع تحديد أين يمكن أن يصل هذا الطموح لكني أؤكد أن الطموح والاجتهاد جزء مهم من شخصيتي وحتى الآن لم أحقق كل ما أحلم به لكني سأواصل العمل من أجل إرضاء ذاتي وخدمة وطني». ووجهت الضمير في ختام حديثها كلمة خصت فيها المرأة العربية عامة والفلسطينية خاصة قائلة: «المرأة الفلسطينية جزء أساسي من المرأة العربية، همومنا واحدة في قضية النضال الاجتماعي وتطوير القوانين والتشريعات، والمرأة قادرة على تولي المناصب المختلفة إلى جانب كونها زوجة وأماً وأختاً وابنة، وأقول لكل النساء في فلسطين أن يكن على قدر من التواصل لتحقيق أهدافهن في جميع المجالات؛ فالمرأة الفلسطينية لطالما ضربت الأمثلة في تحمل المسؤولية جنباً إلى جنب مع الرجل في المجالات كافة».