تابعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس رسم الإطار السياسي لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر استماعها الى شهادة الوزير السابق النائب مروان حمادة، لليوم الثالث على التوالي والتي تحولت الى محاكمة لمرحلة سياسية فائقة الدقة من تاريخ لبنان، وما سماه حمادة «القبضة السورية» على المؤسسات والزعامات السياسية اللبنانية، مكرراً وقائع سبق أن نشرت، لا سيما عن تهديد الرئيس السوري بشار الأسد للحريري بقوله «سأدمر لبنان على رأسك ورأس (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط إذا عارض التمديد للرئيس السابق إميل لحود». وقال حمادة إن الحريري وجنبلاط كانا أحياناً يتناقشان في من سيُقتل أولاً منهما، وأن جنبلاط كان يعتقد أن الحريري غير مرغوب به في دمشق. (للمزيد) وفيما اكتسبت هذه الوقائع أهميتها من كونها تذاع بالصوت والصورة عبر الشاشة على الملأ، وتسجل أمام مرجعية قضائية دولية، فإن الأحداث التي عرضها حمادة شملت أيضاً ما أحاط بالتهديدات التي تلقاها الحريري من الأسد، وأبرزها نصيحة جنبلاط للأخير بأن يتفادى المواجهة مع نظام الأسد ويصوت مع كتلته الى جانب التمديد ثم يستقيل ويغادر البلاد، مروراً بصدور قرار مجلس الأمن 1559 في 2 أيلول (سبتمبر) 2004، حيث توسع المدعي العام غرايم كاميرون في طرح الأسئلة على حمادة عن رد الفعل السوري السلبي على صدوره، خصوصاً أنه نص على انتخابات رئاسية من دون تدخل خارجي وفق الدستور، وانسحاب القوات غير اللبنانية وحل الميليشيات. وشرح حمادة تفاصيل الآلية التي تم من خلالها تعديل الدستور للتمديد للحود، الذي وصفه بأنه «يمتثل لأمر الأسد»، نتيجة التهديد الذي تلقاه الحريري، وعلى رغم صدور القرار الدولي، معتبراً أنه تضمن ما نص عليه اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية. وعرض الاتصالات الدولية التي جرت مع الأسد لتأجيل التمديد مقابل تأجيل صدور القرار الدولي. وأوضح أن ما أثار غضب سورية هو تدويل القضية اللبنانية عبر القرار الدولي بعدما كانت رفضت منذ عام 1976 تعريبها، لإحكام السيطرة على لبنان. كما تحدث عن تجميع معارضة قوية للحد من فرض السوريين ما كانوا يريدون فرضه، بدءاً من رفض كتلة جنبلاط ونواب آخرين التمديد. وأشار الى التدهور التدريجي لعلاقة الحريري بالسوريين منذ عام 2000 وإلى ذروة هذا التدهور مع حصول التمديد عارضاً لبعض ما جرى في اجتماعاته مع القيادة السورية، واصفاً إياها بأنها كانت «مذلّة». وأوضح أن الحريري صوّت مع التمديد ليتفادى نزاعاً مع سورية وكان يأمل بأن يرسي لاحقاً توازناً سياسياً عبر الانتخابات. وتدخل أحد محامي الدفاع عن المتهمين باغتيال الحريري للاعتراض على قول حمادة إن الصحافة السورية التي كانت تشن هجوماً على الحريري موجّهة وغير حرة، ولم يأخذ رئيس المحكمة باعتراضه وقرر تدوين الإفادة والنظر فيها عند تقويم الأدلة. ومما قاله حمادة الذي كانت المحكمة قررت ضم ملف محاولة اغتياله ووزير الدفاع السابق إلياس المر، واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي الى قضية الحريري، أن ازدواجية العلاقات داخل الدولة اللبنانية تبعاً للضغوط السورية كانت تجعل من وزارة الخارجية فرعاً من وزارة الخارجية السورية، وكانت البيانات التي تصدر عن البعثات اللبنانية في الخارج تمر بمعبر الرقابة السورية... وجاء كلامه هذا تعليقاً على رسالة من بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة الى مجلس الأمن قبل صدور القرار 1559 جاء فيها أن الدور السوري كان يدعم المؤسسات الأمنية اللبنانية وأن وجود القوات السورية يرتبط باتفاق الطائف وباتفاقات ثنائية. وأوضح أن السلاح السوري والإيراني كان يتدفق الى لبنان ويجعل من ميليشيا «حزب الله» جيشاً رديفاً. وإذ نفى أن يكون شارك، كما أشيع، هو والوزير السابق غسان سلامة في إعداد القرار 1559، أوضح أن الفقرة المتعلقة بحل الميليشيات فيه لا تتضارب مع اتفاق الطائف. وأكد العلاقة المميزة بين النظام السوري والحزب. وقال إن سورية لم تقبل بإعطاء وثائق للأمم المتحدة تفيد بأن مزارع شبعا لبنانية، للإبقاء على سلاح «حزب الله». على صعيد آخر، استمرت أمس عملية ملاحقة الأغذية الملوثة فأعلن وزير الصحة وائل أبو فاعور عن مزيد من المواد وأسماء الأطعمة وشركات المياه التي ثبت تلوث بضاعتها، ودعا الى إعلان حالة طوارئ غذائية. وبعد إقفال مسلخ بيروت للحوم ليل أول من أمس أكد أن وزارته ووزارة الزراعة ستطلبان إنشاء مسلخ جديد. ويترأس رئيس الحكومة تمام سلام اليوم اجتماعاً للجنة وزارية مختصة للبحث في مسألة الأغذية الملوثة ولوضع استراتيجية تضمن الأمن الغذائي عبر تأليف مرجعية موحدة لملاحقة هذا الأمر. وكان البرلمان اللبناني فشل مرة أخرى في انتخاب رئيس الجمهورية أمس، إذ لم تُعقد الجلسة النيابية لفقدان النصاب بغياب كتلتي نواب «حزب الله» وتكتل العماد ميشال عون. وقال سلام في حوار مع طلاب إنه «إذا تجاوزنا حساسيتنا الطائفية وانتخبنا رئيساً ومجلساً نيابياً نقول عندها إننا وضعنا حداً للحرب في لبنان». واعتبر أن التمديد للبرلمان فرضته الظروف السياسية وجاء بديلاً للفراغ، وأضاف: «نحن نريد تعزيز الديموقراطية لا إضعافها ونريد ممارستها لا التهرب منها». ورأى أن لبنان يتعرض لحروب عشوائية من المجموعات الإرهابية التي احتجزت 26 بطلاً من الجيش وقوى الأمن لإخضاع لبنان وابتزازه بالتهديد بذبحهم».