التصنيف والطائفية قد تأخذ ألوانا متعددة وطروحات مؤذية، تحمل معها إسفافا وكراهية مقيتة، تؤدي في كثير من الأحيان إلى النخر في لحمة الوطن ولغة التعايش السلمية التي تسعى إليها الشعوب دوما. إلا أن الأخطر في ذلك كله حين يتحول الحديث عن التصنيف والطائفية إلى تشريع يكرس هذه المفاهيم، بل يقوم البعض ممن ينتسب إلى الدعوة والدعاة بإصدار فتاوى تحمل معها غاية التقول على الله والافتراء والافتيات على شرعه المطهر . هذا ما أحزنني وأنا أشاهد وأستمع إلى مقطع مرئي مسموع لواحد ممن يسمي نفسه داعية، ويقول هذا الشخص في معرض إيغاله في الحديث عن الطائفية ما نصه: «فادعوا لعامة المسلمين لكن الاحتياط زين». ويؤكد على ضرورة التحفظ في الدعاء للمسلمين وأن ذلك يستند إلى قول قال به أحد مدرسي المسجد النبوي الشريف الكبار. ثم أردف في ذلك المقطع معلقا على الصلاة على الأموات والجنائز بأنه قد تقدم جنازة ميت من أهل الطوائف الأخرى، وعليك كما يقول في المقطع: اشترط في الدعاء، وأن تزيد أهل السنة والجماعة وغير لك. وهذا رغم ما فيه من تنطع خطير، إلا أن الأخطر في نظري حين يقوم البعض بإدخال عبارات على النصوص الشرعية الواردة في الدعاء للميت، وهو ما لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو الأمين على الوحي صلى الله عليه وسلم، وقوله تشريع لا يصح العدول أو الزيادة عليه؛ لأن ذلك من الابتداع المذموم المحظور . بل إن ذلك الداعية غلا في ذلك كثيرا حين قال: إن كلمة المسلمين كلمة كافة، لا ينبغي أن ندعو بها، وإن علينا التخصيص في الدعاء، وقد يشمل الدعاء للمسلمين غيرنا من أهل الطوائف الأخرى. وهو كما أشرت سابقا كأنه باحترازاته واشتراطاته وقع فيما حذر منه من الحجر على رحمة رب العالمين، والتخصيص بالجنة والنار كما يفعل البعض من غلاة المذاهب والطوائف. إن الصلاة على الميت كيفية نبوية واضحة تناقلها العلماء في كتبهم ونصوا على الأدعية الواردة في ذلك. ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته عنا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا ولا تفتنا بعده»، أخرجه البيهقي وابن ماجه، وغير ذلك من النصوص الشرعية المتعددة في الدعاء للجميع من غير استثناء ولا احتراز، لم يأمر الله به ولا رسوله. ولم يرد حسب اطلاعي أن أحدا من العلماء قد أورد صيغة جديدة في الدعاء للميت، تتجنب كلمة المسلمين كما يقول ذلكم الداعية. إن كلمة المسلمين بهذه اللفظة الكريمة وردت في نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية التي لا حصر لها، كقوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات... إلى آخر الآية)، وهي صفة ملازمة لأصل الإسلام منذ قرون، ويأتي أحدهم ليقول نستبدل هذه الكلمة بلفظة أخرى تحمل خصوصية؟ لا شك في نظري أن ذلك من نتائج وحصاد نظرة الغلو والتصنيف والكراهية والطائفية، التي إذا تمادى البعض بها قد تصل أحيانا إلى التقول على الله وعلى نصوص الشرع المطهر، وتأويل النصوص بلا دليل ولا تمحيص، وهذا لا شك أنه أمر خطير على الشريعة ومصادرها الأصلية. ومن هنا، فإن من المهم أن تتم مساءلة مثل أولئك الدعاة، وأن عليهم تجنب الفتوى وإصدار الأحكام من غير تمحيص أو رجوع إلى العلماء الذين يصدر عن قولهم، وهم المخولون من قبل ولي الأمر بإصدار الفتوى. كما أن التبديل بنصوص الشرع من القرآن والسنة لا يجوز، والاجتهاد من غير صاحب علم معتبر مردود.