دحية بن خليفة الكلبي، صحابي مشهور، يقال إنه كان جميلا بارع الجمال، وجاء في هامش كتاب الحيوان عنه: «كان دحية رجلا جميلا وفي حديث ابن عباس: كان دحية اذا قدم المدينة لم تبق معصر (شابة) إلا خرجت تنظر إليه»!! رحم الله أسلافنا كانوا أكثر منا تسامحا وتفهما للطبيعة البشرية وما فيها من غريزة حب الجمال والتذوق له، لو أن دحية هذا ولد في القرن الخامس عشر للهجرة وليس في القرن الأول للإسلام، لناله جزاء جماله الطرد والإقصاء من المجتمع، ولقيل له إنك سبب للفتنة والغواية ونخشى على (معصراتنا) من ضرر اغواءات جمالك !!! لكن دحية كان حظه أفضل من ذلك، فقد ولد في زمن لم تنقبض فيه القلوب على سوء الظن وتقديم الشر، فعاش آمنا لا يخشى أن يهاجمه أحد متلبسا بذنب الجمال. الرجال الوسيمون غير دحية كثيرون، والتاريخ يحفظ اسماء لرجال شغفوا قلوب النساء بفرط جمالهم، لعل أشهرهم النبي يوسف عليه السلام، الذي كان جماله سببا في اغراء امرأة العزيز ووقوعها في عشقه، والمقنع الكندي الذي اشتهر بجماله حتى خاف على نفسه من (العين والحسد) فارتدى القناع يدرأ به أعين الناس عن رؤية ما به من جمال أخاذ، أو غيرهما من الرجال الجميلين الذين يأسرون بجمالهم قلوب المعصرات وغير المعصرات. وفي أيامنا هذه تجد الفتيات لا يملكن أنفسهن متى لمحن رجلا جميلا من التهامس فيما بينهن تغزلا بمن جذب أنظارهن مطلقات عليه صفات تعارفن عليها بينهن مثل (أطخم) و (مز) و (يخقق) أو غيرها. حب الجمال غريزة في البشر، وتذوق الجمال سواء في الانسان أو الحيوان أو الطبيعة او الأشياء، يبعث متعة بالغة في النفس تعطي شعورا بالسعادة والانتشاء، فمن نعم الله على خلقه أن أوجد لهم الجمال في هذه الدنيا وخلق لهم القدرة على تذوقه والاستمتاع بتأمله. والجمال في البشر، مطلوب في الذكور كما هو في الإناث، لكن لأمر ما، شاع بين الناس أن جمال المظهر هو صفة خاصة بالإناث، أما بالنسبة للذكور فإنه شيء ثانوي، فما يهم أكثر في الرجل شخصيته وأخلاقه ومكانته ووجاهته وماله، أما جماله الظاهر فلا أهمية له. ورسخت هذه الفكرة الزائفة في أذهان الناس وظلوا يتوارثونها منكرين أن الجمال صفة محببة إلى القلب وتطلبها النفس في كل المخلوقات بصرف النظر عن النوع. ما أظنه هو ان أول من أطلق تلك الفكرة عن عدم أهمية الجمال الخارجي للرجل كان رجلا محروما من الجمال، أراد أن يثبت لنفسه وللاخرين أن ما يفتقده ليس أمرا ذا قيمة، فاطلق ذلك التقييم الذي يقلل من شأن جمال المظهر للرجل ويركز على جوانب اخرى للجمال بامكان الرجال اكتسابها إن هم اجتهدوا في طلبها.