إجراءات تغيير الأسماء في مصر طويلة وشاقة، يعرف ذلك هؤلاء المساكين الذين أطلقت عليهم أسماء لا تدعو إلى الاحترام، ومنها «خيشة» على سبيل المثال. الواقع أن هذا النوع من الأسماء منتشر في الأحياء الشعبية، والهدف منها هو اتقاء الحسد. بطل حكايتنا حمار غير أنه يتسم بحساسية شديدة وكراهية للقبح، ولذلك وصل إلى درجة عليا من الضيق باسمه الذي يحرص البشر على ترديده أمامه طول النهار في لذة.. تعال يا حمار.. روح يا حمار.. شي يا حمار.. هس يا حمار. ولذلك اتخذ قرارا شجاعا، وهو أن يتقدم للمحكمة بطلب لتغير اسمه، فصدر بذلك حكم قضائي بالفعل، وكانت الخطوة الأخيرة هي أن يقوم بتسجيل الاسم الجديد في الشهر العقاري. وكان الاسم الجديد هو: سمكة. هكذا تحقق له في اسمه ما يريده من رقة وعذوبة، كما ابتعد بألف ميل عن حروف اسمه القديم السخيف. بعد أن انتهى من إجراءات تسجيل الاسم في الشهر العقاري، خرج من المبنى وهو يكاد يقفز من الفرحة. جلس إلى مقهى قريب وجاءت جلسته بجوار قرد عجوز تلوح على وجهه دلائل الحكمة، فرحب به القرد وقدم نفسه إليه: أنا القرد ميمون من منطقة تل القرود في المقطم.. اسم حضرتك إيه؟ فقال الحمار في زهو وتواضع: أنا اسمي سمكة. فسأله القرد: بتعرف تعوم يا سمكة..؟ فرد في حياء: لأ.. ما بعرفش أعوم. فقال القرد: تبقى حمار. هأ.. هأ.. هأأو.. بعد أن أصدر فرويد كتابه العاصفة عن الأحلام، الذي أثبت فيه أن الأحلام لا تأتي من خارج جسم الإنسان بل هي قادمة من لا وعي الإنسان نفسه. وأن اللاوعي يلجأ لاستخدام الرموز لإخراج هذا الحلم. حدث بعد ذلك أن صديقا له أرسل يقول إنه يحلم أحيانا أحلاما أشبه بالنكتة. وهنا بدأ فرويد يتساءل: إذا كان اللاوعي عند الإنسان الفرد هو الذي يصنع الحلم، فهل يكون اللاوعي الجمعي أيضا هو المسؤول عن صنع النكتة؟ وكانت الإجابة هي كتابه «النكتة وصلتها باللاوعي» وهو كتاب شديد الأهمية غير أنه ليس مشهورا. في الغالب لأن المثقفين يتصورون أن النكتة شيء يتنافى مع الجد، وهم في ذلك يخلطون بين النكتة والهزار والهزل. الكتاب هو الأول والأخير في موضوعه ومجاله، غير أن صناع الفكاهة لا يقرأون التحليل النفسي.. والمحللون النفسيون لا يقرأون عن الضحك، فضاع الكتاب وتفرقت دماؤه بين رفوف المكتبات. النكتة الحقيقية لا يصنعها الإنسان الفرد، بل هي تلك التي «يخرجها» اللاوعي الجمعي في مرحلة تاريخية محددة، منبها ومحذرا ومشخصا لمرض مُعدٍ سوف تكون الناس جميعا فريسة له ما لم يتنبهوا لخطورته. ليس مهما ما تطلقه على نفسك من أسماء، المهم ما هي قدراتك وما هي أفعالك. طبعا أنت تقرأ كثيرا عن الهوية، وهذه النكتة أيضا تتكلم عن الهوية، الهوية الحقيقية هي القدرة على الفعل المفيد لك وللآخرين. حتى لو أصدرت محاكم الدنيا أحكاما باتة ونهائية بأن حضرتك سمكة.. فسيظل السؤال قائما: هل تستطيع السباحة في البحار والمحيطات والأنهار؟ هل تستطيع منافسة الآخرين في الإدارة والتجارة والعلم وبقية مجالات الحضارة..؟ إذا كنت عاجزا عن ذلك فحضرتك لست سمكة.. بل.. حضرتك عارف طبعا.