زياد الدريس لم أتمالك نفسي، مساء الأحد الماضي، من التفاعل الوجداني مع خبر إعلان المصالحة الخليجية من الرياض، فكتبت من فوري معلقاً، في تويتر: «من شدة فرحي بعودة الأخوة الخليجية، لو كان بيدي لجعلت يوم غدٍ يوم إجازة في دول الخليج كافة، وسأسميه #يوم_الخليج (أو يوم الوحدة الخليجية). إجازة الخليج الشاملة ستشيع مشاعر سعادة واسترخاء شعوب الخليج في يوم موحد. لقيت تلك التغريدة العاطفية تفاعلاً كبيراً، طرف إيجابي تفهّم مقاصدها ومنطلقاتها العفوية، وسلبي لم ير فيها سوى الجانب المذموم من تكاثر الإجازات وتأثير ذلك على التنمية المستدامة! وعلى أي حال فكلا الموقفين جدير بالاحترام. أما غير الجدير بذلك فهم المتقلّبون الذين سرعان ما يتحولون من شتّامين إلى مدّاحين، ومن وطنيين شوفينيين إلى وحدويين نبلاء. أولئك الذين ظنوا أن حب الوطن يمكن أن يكون ذريعة لهم لشتم الآخرين وذم أوطانهم. ونسوا، أو تناسوا، أن حبنا لوطننا لا يُلزمنا بكراهية أوطان الآخرين. بل إن الحب الصادق لا يقود دوماً إلا إلى مزيد من الحب، لا الكراهية. نعم، فرحت بالمصالحة الخليجية، وإن شاب فرحي قلقٌ من عدم استمراريتها، وغموضٌ من مرتكزاتها التي بُنيت عليها. لكني سأفرح بالمصالحة، حتى وإن كانت موقتة أو جزئية، لأني أنظر إلى الخطر، بل الأخطار، التي تحيط بمنطقتنا من كل جانب فلا أجد منفذاً من هذا المناخ العكر سوى المصالحة. بالطبع، فإن المصالحة لا تكفي ما لم تكن مرفودة بمكاشفة. وهذه لا تعني الاتفاق والتوحد على الموقف من كل الملفات الساخنة المحيطة بنا من جهاتنا الأربع، لكنها تعني وضوح الحدود الفاصلة بين السيادة القُطرية، بضم القاف، والسيادة الإقليمية. وقد سبق أن أشرت إلى هذا الملمح في سياق مناقشة متطلبات الانتقال من «التعاون» إلى «الاتحاد»، قبل ثلاثة أعوام رغم بُعد الأمل الآن، إذ «إن قناعتنا جميعاً بأن التعاون خلال الـ30 عاماً الماضية لم يكن تعاوناً بين دول الخليج بما فيه الكفاية لتطلعات الشعوب، لا يعني حتمية فشل الدعوة إلى الاتحاد، لسببين، الأول: أن طبيعة التكوينات الجيوسياسية والثقافية للمنطقة تلائمها صيغة الاتحاد أكثر من صيغة التعاون، إذ إن الأخير يجعل الباب موارباً للمزيد دوماً من المماطلة والتجميد بغية التحلل من خسائر تنازلات التعاون والتنسيق المشترك. فيما تبدو صيغة الاتحاد أكثر صرامة في الالتزام بالاتفاقات المشتركة. أي في جملة قصيرة: (إن التزامات التعاون اختيارية، فيما التزامات الاتحاد إجبارية)، وقد رأينا كيف إن الاتحاد الأوروبي بات يناقش جدياً الآن إخراج بعض الدول الأوروبية من اتحاده لأنها لم تلتزم بتشريعات الاتحاد الاقتصادية. فرنسا وألمانيا تقولان لليونان المهددة: إذا لم تكوني قادرة على الالتزام بقوانين الاتحاد فلتخرجي منه، وسنبقى ملتزمين معك بقيم التعاون المشترك» (من مقالة: الاتحاد الخليجي، هل التوقيت عشوائي؟ صحيفة «الحياة» 21 كانون الاول / ديسمبر 2011). حتماً يوجد بيننا ومن حولنا من لم تسعده المصالحة الخليجية لأنها ضد مصالحه الانتهازية، وإن لم يستطع أن يعلن هذا بوضوح، فهو يستخدم الهمز واللمز والتلميحات. لكن فرحته المسبقة بالشقاق والنزاع والتوتر بين الإخوة هي التي تفرز المشاعر الحقيقية من المصطنعة. توجد فئة من الناس ابْتُليت، وابتُلينا بها، لا تجد الفرصة مواتية لتحقيق النجاح والظهور إلا في مَواطن السوء، كالخصام والهزيمة والمحن. في مثل هذه الأجواء يبرز هؤلاء الذين اصطلح قديماً على وصفهم بالذين يصطادون في الماء العكر، لكنهم الآن باتوا يصطادون في (الهواء) العكر. لن تطول المصالحة الخليجية ما لم نفطن لخطر المتضررين منها، المنتفعين بتعكيرها. الحياة