بعد تعيين الدكتور عبدالرحمن البراك وزيرا للخدمة المدنية كتبت مقالا عن شؤون وشجون هذه الوزارة، كعادتنا في التذكير والتفاؤل عند تعيين أي مسؤول جديد في مرفق مهم، عرجت خلاله على بعض الجوانب المهمة التي تكاد تحظى بالإجماع على أنها تمثل خللا جوهريا مزمنا في أداء الوزارة، على أمل أن تكون في مقدمة أولويات الوزير. في ذات اليوم هاتفني الدكتور البراك معترفا بشفافية عالية أن ما ذكرته لا يمثل سوى رأس الجبل من مشاكل أخرى لا تقل أهمية، وأن التخطيط لمرحلة جديدة تتخلص من سلبيات الماضي وتؤسس لانطلاقة تواكب التطلعات وتلبي الحاجات يحتاج وقتا كافيا وبحثا متأنيا، مؤكدا أن العمل في الخطوات الأولى لهذه المرحلة قد بدأ بالفعل، ومبشرا بأن الوقت لن يطول كثيرا. تذكرت ذلك الحديث بعد موافقة مجلس الوزراء يوم 10 محرم على توصية الوزير بأن تضع جميع الجهات الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة معايير وأسسا لشغل وظائفها، بما يحقق مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس بين المتقدمين، على أن تلتزم تلك الجهات بالإعلان عن الوظائف وشروطها ومزاياها المالية عبر منصات عدة إلى حين تطبيق البوابة الوطنية للتوظيف التي بدأ تأسيسها منذ فترة وتمثل قناة واحدة تصب فيها قواعد البيانات الحكومية والخاصة لتسهيل التوظيف، ويتوقع انطلاقها خلال شهور قليلة. إن هذا التوجه عند تنفيذه وتطبيقه بالتزام تام يمثل نقلة نوعية هامة في تاريخنا الإداري الذي تمثل «الوظيفة» أحد أهم عناصره وأكثرها إشكالا، فمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص الذي يتحدث عنه المسؤولون كثيرا استمر بعيدا عن التطبيق الفعلي، وذلك ما تسبب في نسبة كبيرة من إخفاقاتنا في الأداء الوظيفي وما ترتب على ذلك من نتائج سلبية على الإنجاز والوفاء بالمسؤوليات. كثير من الوظائف لم يكن يعلم عنها أحد لأن بعض المسؤولين يحتفظون بها لمن يشاؤون، وأكثر منها يعين عليها من لا تتوفر فيه الكفاءة لشغلها لكن تتوفر لديه مزايا أخرى لا علاقة لها بطبيعة الوظيفة ومتطلباتها. وفي جانب آخر فإن كل جهة حكومية تغرد في سربها الخاص فتضع اشتراطاتها ومواصفاتها وأنظمتها الخاصة للتوظيف دون استراتيجية عامة أو تنسيق وتكامل مع الآخرين إلا فيما ندر. هذه الفوضى الوظيفية آن لها أن تنحسر وتختفي سريعا ليقوم محلها الانضباط وتحل بديلا عنها الكفاءة والعدالة والشفافية، وإنا لمنتظرون.