تحظى المملكة العربية السعودية باهتمام كبير من قبل مراكز الدراسات العربية والغربية المهتمة بشؤون مكافحة الإرهاب، بل إن المسؤولين الأمنيين في هذه الدول ذكروا بوضوح أن المملكة تُعتبر مدرسة عالمية في شؤون مكافحة الإرهاب وأشير إلى أني سمعت ذلك شخصياً (أثناء زيارة للبيت الأبيض ضمن وفد رسمي) من قبل جون برينان وكان آنذاك مساعداً للرئيس أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب والذي يشغل حالياً منصب رئيس الاستخبارات الأمريكية (CIA). يعود نجاح المملكة إلى توفيق الله أولاً ثم إلى استخدامها (للقوة الذكية) في تعاملها مع الإرهاب بمراحله المختلفة، وترتكز إستراتيجية المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب على 4 ركائز أساسية تتمثل في: برنامج الوقاية، برنامج المناصحة، برنامج الرعاية وبرنامج المتابعة. برنامج الوقاية، يهدف إلى معالجة الجذور، ومنع خلق بيئة حاضنة للفكر المتطرف والعناصر الإرهابية ومن أهم أدواته، مركز الحوار الوطني ومهمته الرئيسية تصحيح المفاهيم وفهم الآخر وتقريب وجهات النظر بين أفراد المجتمع وصولاً إلى الغاية الرئيسية (وحدة الشعب السعودي وتلاحم مواطنيه)، وأتوقف لأقول أن مركز الحوار الوطني حقق نجاحاً لا يمكن إنكاره إلا أنه بحاجة إلى تطوير إستراتيجيته وخصوصاً فيما يتعلق بوصول رسائله ونتائجه إلى الشرائح المستهدفة، والملاحظ أن نتائج الحوار الوطني وللأسف تبقى حبيسة قاعات الاجتماعات، والقنوات التلفزيونية التي لا تحظى - ربما - بمتابعة المواطن، وأتمنى على أي من القائمين على هذا المشروع الجبار أن يقوم بإعداد دراسة إحصائية للتأكد مما ذكرته، وإن تعذر ذلك أن يتوقف يوماً ويسأل أي مواطن سعودي، كم عدد لقاءات الحوار الوطني التي عُقدت حتى الآن؟ ومتى كان آخر لقاء وأين عقد ؟ وما هي أهم توصياته؟ والأداة الثانية في برنامج الوقاية هي لجنة حقوق الإنسان، وهي كما نعلم لجنة وُجدت للانضمام إلى جهات أخرى في الدولة كديوان المظالم، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وكلها تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة وحفظ الحقوق ورفع الظلم عن المواطن والمقيم، ونعلم تماماً أن هذه الجهات أصدرت أحكاماً لمواطنين ضد قطاعات حكومية، وأنصفتهم ومتى ما كان العدل شامخاً استقرت الدول. كما حرصت المملكة على توفير فرص العمل للشاب السعودي بتأهيله من خلال الجامعات والمعاهد والمراكز المتخصصة (وإن كنا بحاجة إلى وقفة جادة للتأكد من ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل) واكب ذلك حملة ناجحة من قبل وزارة العمل ضد المقيم غير الشرعي بترحيله إلى بلاده وإعطاء الفرصة للشباب السعودي والذين نجحوا في إثبات وجودهم انضباطاً وخلقاً وإتقاناً واحترافية في العمل، وقد يخالفني بعض رجال الأعمال الذين صُدموا ببعض الحالات وهي قليلة، وإن وجدت فيجب الصبر عليها ودعمها وتأهيلها ونحن نعلم أن كثيراً من المقيمين أتوا إلى بلادنا وهم لا يتقنون شيئاً وتعلموا وتدربوا على أيدينا وصبرنا عليهم، وأبناؤنا أولى بذلك، وهنا أتوقف لأشير بوضوح بأنه يجب على رجال الأعمال أن يدركوا أن توظيف شاب سعودي هي مسألة تتجاوز الوظيفة والراتب إلى استقرار وطن ومكافحة إرهاب. ويأتي دعم حكومة خادم الحرمين لصناديق التنمية، وإنشاء مشاريع الإسكان، وأمره بإنشاء (11 مدينة رياضية) أسوة بالجوهرة المشعة في جدة، ضمن مشاريع التنمية المستدامة في الدولة وتُعتبر في نفس الوقت أدوات رئيسية ضمن برنامج الوقاية. وعلى الصعيد الأمني والقانوني، تم اعتماد العقوبة المغلظة في مكافحة الإرهاب، قال تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف...) الآية. كما تم إنشاء أجهزة متخصصة في مكافحة الإرهاب، لمتابعة أصحاب الفكر الشاذ والمتطرف، وتنفيذ ضربات استباقية لتحييدهم، مع إبقاء باب العفو المشروط موارباً كخط رجعة للذين يرغبون في تسليم أنفسهم طواعية، وهذا فيه كثير من الحكمة والرأفة من قبل خادم الحرمين بأبنائه فهو يسعى إلى استقرار الدولة، وسلامة مواطنيه، وكلما كان هناك طريق لين لتحقيق ذلك مال إليه حفظه الله ورعاه، وهو ما يقودنا إلى الانتقال إلى برنامج المناصحة وبرنامج الرعاية وبرنامج المتابعة،موضوع مقالنا القادم بإذن الله.