بالأمس صببت جام غضبي على ذلك الجهاز السخيف الذي وضعوه لتفتيش المسافرين في المطارات، ليصور كل راكب على حدة مخترقا ملابسه، خوفا من أن يكون مخبئا متفجرات ملتصقة بجسده. ولكنني الآن أتراجع عن هجائي لذلك الجهاز، بعد أن قرأت اليوم عن ما هو أشنع منه بمراحل، عندها تذكرت المثل القائل: (الله يحلل الحجاج عند ولده). وإنني على أتم الاستعداد لأن أقف أمام ذلك الجهاز ليصورني يوميا، على أن أضع في جيبي (تلفون جوال) يفضحني بالسر والعلن على الملأ جميعا. فانتبهوا من الآن يا أولي الألباب، وأنصح كل واحد منكم أن يحطم أو يحرق جواله الحديث مثلما فعلت أنا، ومن حسن حظي أنه لازال لدي جوال قديم من نوع NOKIA، وهذا من الصعب اختراقه ــ لأنه لا توجد به كاميرا أصلا ــ . وما دام معك الجهاز الحديث فاعتبر نفسك من هذه اللحظة مراقبا في كل شيء ، أين تذهب، وماذا تقول؟!، حتى رسائل sms والصور مكشوفة مكشوفة. إن أي رسالة تأتيك وتفتحها لكي تقرأها، اعتبر أن أمرك قد انتهى، ويعرفون اتجاهك وأنت تتحرك في كل مكان، ومن هم الذين تتحدث معهم، وإذا دخلت بيتا أو أي فندق يعرفون في أي غرفة أنت تكون، وما أن تفتح كاميرا التصوير حتى يصوروك أنت دون أن تشعر، ويشاهدوا ما تشاهد في غرفة نومك وعلى سريرك، حتى إذا دخلت الحمام فهم لن يعتقوك ويريحوك لأنهم يدخلون ويجلسون معك على الكرسي. وفي إحدى المقابلات التي سمعتها مع امرأة، فقد تعجبت منها عندما صرخت فجأة وهي تقول: لقد تدمرت حياتي، فحبيبي اكتشف كل تحركاتي، ومع من أتحدث، وإلى أين أذهب؟!، لقد صعقت وشعرت كأنني أمشي في الشارع عارية، لقد كانت فعلا مشكلة حقيقية، لقد انفصلنا عن بعضنا نهائيا. وتمضي قائلة: وبدأت أشك أنه كلف شركة تجسس بتتبع خطواتي، وتزرع الأجهزة في حجراتي، لهذا استأجرت محققا خاصا فتش كل بيتي ولم يجدوا شيئا، وفي النهاية أتاني تقرير من الشركة التي يعمل فيها، جاء به: لقد اكتشفنا العميل الذي يراقبك، إنه (موبايلك) الذي في جيبك ــ انتهى. والآن أصبح العالم كله مفضوحا، والمنازل بلا حوائط، وغرف النوم لن تسترها بعد اليوم الستائر، السعودية وحدها بها من (الموبايلات) أكثر من عدد سكانها، بل إن بعضهم يحمل معه اثنين أو ثـلاثه تلفونات، لكي تكون فضيحته متعددة الجوانب. فأين المفر؟!، وقد انقلب السحر على الساحر، ولا عاصم بعد اليوم من تلصص (الجوال)، إلا بالتخلص منه، فأجدادنا عاشوا بالتبات والنبات، وخلفوا صبيان وبنات، بدون أي جوال، ولم ينقص منهم شيء. نقلا عن عكاظ