×
محافظة المنطقة الشرقية

مضر يواصل إستعداداته لعربية اليد و يتعاقد مع الفرنسي جون بوسيدو

صورة الخبر

في مقطع الـ«يوتيوب» معلم يحاول أن يثبت أمام تلاميذه أن الله خالق الشر، ولكن بأسلوب خبيث. حيث يسأل بداية إن كان الله خالق كل شيء؟ فيجيبه تلميذ بـ«نعم» الواثقة. فيرد المعلم: ما دام الله خالق كل شيء، فهو إذاً من خلق الشر. فيتصدى لهرطقة المعلم تلميذ يافع في حوار ليس من العدل الاستقطاع منه. فها هو كما دار! التلميذ: هل البرد موجود؟ المعلم: أي سؤال هذا، بالطبع إنه موجود. ألم تشعر بالبرد قبلاً؟ فيستمر التلميذ: في الحقيقة يا سيدي البرد ليس له وجود. فطبقاً لقوانين الطبيعة، ما نعتبره نحن برداً، هو في حقيقته مجرد غياب للحرارة. فكل جسم أو شيء يصبح قابلاً للدراسة عندما يكون حاملاً للطاقة أو ناقلاً لها. والحرارة هي التي تجعل جسماً أو شيئاً حاملاً أو ناقلاً للطاقة. أمّا الصفر المطلق لدرجة الحرارة المئوية (فهرنهايت) فيعني الغياب المطلق للحرارة. إذاً، فالبرد ليس له وجود في ذاته، ولكننا خلقنا هذا التعبير لنصف ما نشعر به عند غياب الحرارة. ثم يستطرد التلميذ: أستاذي، هل لي أن أسألك إن كان الظلام موجوداً؟ فيجيب المعلم: أكيد هو موجود. التلميذ: عذراً سيدي، فهذا خطأ للمرة الثانية. فالظلام هو الآخر ليس له وجود. فما الظلام في حقيقته سوى غياب الضوء. والضوء هو الذي نستطيع دراسته، وليس الظلام. فبإمكاننا استخدام منشور نيوتن لنفرق الضوء الأبيض لأطياف متعددة الألوان، ثم ندرس طول موجة كل لون. ولكن لا نستطيع دراسة الظلام. وشعاع بسيط من الضوء يمكنه اختراق عالم من الظلام فينيره، فيمكنك قياس كمية ضوء موجودة، ولا تعرف مقدار ظلمة حيز معين. فالظلام هو تعبير الإنسان ليصف ما يحدث في غياب النور. وهنا يسأل التلميذ معلمه: إن كان الشر موجوداً؟ فيجيب المعلم وبنبرة عدم اليقين هذه المرة: بالطبع موجود. فهو المثال اليومي لعدم إنسانية الإنسان تجاه الإنسان، وبالعنف في كل مكان، في ظواهر ليست سوى الشر بعينه. التلميذ: والشر أيضاً ليس له وجود. أقلها ليس في ذاته. فالله لم يخلق الشر، ولكن الشر هو النتيجة لما يحدث عندما لا يحفظ الإنسان محبة الله في قلبه. إنه مثل البرد تشعر به في غياب الحرارة. ومثل الظلمة تعم المكان في غياب النور. فبُهت المعلم وصمت. ولم يبق سوى أن نعرِّف القارئ بالتلميذ وهو العالم الفيزيائي المعروف ألبرت آينشتاين. أو هذا ما قيل ونُسب إليه. وأياً يكن، فنحن أمام تفكير لا يصدر سوى عن عقل ذكي ومنطقي، وبصرف النظر عن قائله ومعتقده. من واجب علماء المسلمين باعتبارهم أهل العلم والبحث والأمانة، أن يفسِّروا الظواهر والمجريات، ويمنطقوها للأجيال الحاضرة والآتية بقدر ما يفتح الله عليهم. فالأجوبة التقليدية لم تعد تكفي لإشباع الحاجات الملحّة للسائل. بل إن من شأنها أحياناً أن تنفِّره وتبعده في رحلة تنقيب وشك قد لا يعود منها. وهذه طبيعة الإنسان وفطرته في قلقه الدائم وأسئلته الوجودية والحياتية. وشيوخنا الذين لا يزالون يتجادلون حول بول الإبل والاستنجاء وقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع الحقائق الأَوْلى والأهم، هؤلاء لم يقدِّموا للدين والعلم واقتناع العقول بقدر المطلوب والمنتظر في مرحلتنا العصيبة. وأياً كانت أسباب إخفاقهم، فنحن المتلقون علينا بالنتيجة. وأخذاً بكلام التلميذ فإن الغموض ليس له وجود. فما هو سوى غياب للحقيقة التي نبحث عنها ونسعى إليها بشتى الوسائل. فإن وجدنا أننا في افتقار إلى ما يقربنا منها، فهي النتيجة الحاصلة عندما يُلغي الإنسان العقل الذي يتأمل ويتفكّر ويتدبّر في ملكوت السموات والأرض. فالأجوبة المتجدِّدة لا تزال تنتظر من يأتيها ويأخذ بها وينشرها بين الناس ليثبت إيمانهم. ولكن عوضاً عن الاضطلاع بمسؤوليتنا ارتضينا الدفاع عن أجوبة قديمة انتهت صلاحيتها ولا نزال نلوكها بحجة سد الذرائع والأبواب. في الوقت الذي لم يعد فيه الجيل الصاعد مقتنعاً بهذا السد، متجهاً بنفسه إلى الأبواب الموصدة يفتحها كيفما اتفق معه وشاء. فعلى من يقع التفريط؟ بلا مواربة، على من يحاربون التجديد في الفكر والتطبيق وانقشاع الظلام. يقول آينشتاين: «يستطيع أي أحمق تعقيد الأمور وتضخيمها، لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو غير ذلك». كاتبة سعودية suraya@alhayat.com