النسخة: الورقية - سعودي منذ اندلاع أحداث ما أطلق عليه «الربيع العربي» في تونس في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2010، احتجاجاً على ما حدث لمحمد بوعزيزي، تباينت الآراء والتحليلات، بين مؤيد ومعارض، وهناك المشكك في هذه الأحداث، لكن المؤكد أنها زعزعت الاستقرار العربي إلى ما هو أسوأ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مخلفةً وراءها تفسيرات كثيرة حولها، ومن يقف وراءها؟ وما الأهداف المرجوة منها؟ وهو ما يجعل تحليلها ومناقشتها ومقارنتها بأحداث أخرى أمراً في غاية الأهمية. إن «الربيع العربي»، لم يكن وليد الساعة، أو أن اندلاع هذه الأحداث كان في فصل الربيع، فقد سبقتها مسميات، أطلقها الغرب (حلف الناتو)، على عدد من الأحداث منذ الخمسينات، وفي زمن الحرب الباردة، فهناك ربيع المجر 1956، عندما قامت الاحتجاجات فيها، مناهضة للشيوعية، وسحقت بتدخل من حلف وارسو في ذلك الوقت، كما أطلقوا «ربيع براغ»، على الاحتجاجات في تشيكوسلوفاكيا، التي وضعت دول حلف وارسو حداً له في الـ21 من آب (أغسطس) 1968، عندما اجتاحت دبابات الجيش السوفياتي وحلف وارسو في ذلك الوقت، العاصمة التشيكوسلوفاكية، إضافة إلى مسمى «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا 2004، وثورة القرنفل في البرتغال 1974، وثورة الزهور 2003 في جورجيا، وغيرها من الحركات التي تؤيد من الخارج بهذه المسميات، لتحقق أهدافاً لهذه الدول التي تطلق عليها مسميات عدة. في عالمنا العربي اندلعت الاحتجاجات في تونس أولاً، وهي لا تزال أقل المتضررين من بقية الدول العربية التي تعرضت لهذه الاحتجاجات، على رغم أنها ما زالت تتعثر للوصول إلى الاستقرار المنشود الذي يطمح إليه الشعب التونسي، فلا زال الوضع السياسي والاقتصادي هشاً، وانعكس على السياحة التي تمثل أحد المصادر الرئيسة للموازنة التونسية. وفي 25 كانون الثاني (يناير) 2010، قامت الاحتجاجات في مصر، وأطاحت بالرئيس حسني مبارك، لكن بدأ الصراع من الأحزاب والجماعات، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ فاز «الإخوان المسلمون» بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكنهم لم يستطيعوا أن يحافظوا عليهما، وقامت «مظاهرات 30 يونيو»، التي تحولت إلى ثورة على الثورة، وأطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، بعد رفضه الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وتحول المشهد في مصر إلى العنف وطعن كللا الطرفين في شرعية الآخر، لكن الحقيقة الواضحة أن الشعب المصري مؤيد لما قام به الجيش، بحثاً عن الاستقرار السياسي والاقتصادي والحفاظ على السيدة المصرية، إلا أن الطرف الآخر (الإخوان المسلمون) انتهج العنف، للتعبير عن رفضه الواقع، وهو ما اعتبره مراقبون انتحاراً سياسياً للجماعة، أفقدها القاعدة الشعبية التي كانت تتمتع بها في مصر، وهذا هو المهم، فليس مهماً أن تكون لها شعبية كبيرة خارج مصر، ولا تأييد قادة تلك الدول لها، فالقوة تستمدها أي حركة أو حزب من الداخل ومن شعبها، لذلك يبدو أن عودة «الإخوان المسلمون» كحركة سياسية في مصر قد انتهت. أما اليمن - وهو من الدول التي تعرضت لما يسمى «الربيع العربي» - فحاولت دول مجلس التعاون الخليجي جاهدة، تجنيبه الأسوأ، من خلال مبادرتها السياسية التي تنحَّى بموجبها الرئيس على عبدالله صالح عن السلطة، لكن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال سيئة، وتنظيم القاعدة والحراك الجنوبي وحركة الحوثيين تنهش في اليمن وتتحين الفرص للانقضاض عليه، وبدعم من قوى خارجية تستغل الأوضاع في اليمن للنفاذ من خلاله إلى بقية دول شبه الجزيرة العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لزعزعة استقرارها. بالنسبة إلى سورية، فالأحداث اندلعت فيها في 15 آذار (مارس) 2011، كاحتجاجات سلمية، تحولت إلى مواجهات عسكرية بين النظام وقوى الثورة، وأصبحت من أكثر ثورات «الربيع العربي» دموية، حتى زاد عدد الضحايا من المدنيين على 100 ألف ضحية، ناهيك عن ملايين النازحين والمهجَّرين، وتدمير البنية التحتية للبلد، إضافة إلى انعكاساتها على دول الجوار، ولاسيما لبنان والأردن، ولا يلوح في الأفق أي انفراج لانتهاء هذه الكارثة الإنسانية، لتقاعس المجتمع الدولي، وبطش النظام المدعوم من إيران وروسيا، وعجز المعارضة وتشرذمها، فأصبح الشعب السوري هو الضحية في كل ما يحدث. ولا ننسى ما يحدث في العراق وليبيا، فالإطاحة بنظامي صدام حسين ومعمر القذافي لم يجلبا الديموقراطية للبلدين، بل العكس، هناك فلتان أمني وفوضى سياسية، ففي العراق أصبح رئيس الوزراء مندوباً لإيران، وليبيا أصبحت تحكمها المليشيات المسلحة التي تقتحم وتهدد بالسلاح أي معارض لها، حتى إنها اقتحمت مبنى المجلس الوطني أثناء انعقاده وتهديد أعضائه بالسلاح. من نتائج ما يسمى «الربيع العربي» تراجع شعبية «الإخوان المسلمون» والإسلام السياسي، ويبدو أن سبب التراجع الاقتصاد، إذ هو من يحرك الشعوب، ففشل خطط التنمية في الدول التي تعرضت لأزمات وفوضى «الربيع العربي» ساعد حركة «الإخوان المسلمون» على تقديم نفسها بأنها تستطيع أن تقدم للناس نموذجاً تنموياً اقتصادياً سياسياً ناجعاً، لحل مشكلاتهم، مستشهدةً بالنموذج التركي في الاقتصاد، لكنها نسيت أن تركيا لديها بنية تنموية واقتصادية وسياسية تحتية قائمة قبل وصول حزب الحرية والعدالة، وهو ما ساعد الاقتصاد التركي على النهوض. النتيجة الأخرى لـ«الربيع العربي» هي أن المنطقة العربية دخلت في دوامة عنف وعدم استقرار لم يسبق لها مثيل، وأصبحت ساحة للتدخل الخارجي، سواء إقليمياً من إسرائيل وإيران وتركيا، أم دولياً من أميركا وروسيا، فالساحة العربية - باستثناء منطقة الخليج العربي، والمغرب، - أصبحت مفتوحة للصراعات بين هذه الدول، مع فقدان أي تأثير للدول العربية في مجريات الأحداث، فالقضية الفلسطينية أصبحت في عالم النسيان وعدم الاهتمام، وهذا ما تريده إسرائيل، وانشغل المواطن بأخبار «الربيع العربي» وترك الأمور المهمة في البناء والتنمية والتعليم، وهما الأساس في بناء الدول ورخائها، وهو ما يجعل المحلل والمراقب، يربط هذه الاحتجاجات بقوى خارجية تؤججها وتشجعها، للوصول إلى أهداف محددة، تصب في خانة الصراعات الجيوسياسية بين الدول الكبرى والإقليمية المحيطة بالمنطقة، ولاسيما في ما يتعلق بمصادر الطاقة فيها، وكونها سوقاً استهلاكية، لمنتجات هذه الدول. والسؤال المطروح هو: أين نحن اليوم بعد أربعة أعوام مما يسمى «الربيع العربي»؟ * أكاديمي سعودي.