أن تشتري أرضا من راتبك المحدود فهذا أشبه بمحاولات صعود «جبل الهدا» في وضع «الريوس» فالأمر عسير إلى درجة اعتبار التفكير فيه لكثير من الموظفين مضيعة للوقت، وإن كنت مثابرا قوي العزيمة، واستطعت شراء أرض مناسبة لإقامة عش يؤوي أفراخك زغب الحواصل، فقد يشيب أولهم وأنت تحاول البدء في التعمير والدخول في أنفاق المديونات البنكية واللابنكية؛ لإنجاز هذا الحلم العسير جدا، لذلك لا تجد الشاب يفكر في هذه الأمور المعقدة؛ لأنه اعتبر بوالده أو قريبه، هذا للموظف صاحب الدخل المتوسط، وسأترك لمخيلتكم أصحاب الوظائف الصغيرة، والمعتمدين على برامج الشؤون الاجتماعية. بعض ذوي الدخل المحدود يرزقه الله بقطعة أرض معقولة الثمن يحقق عليها أحلامه، لا عيب فيها إلا أنها لم تحظ بحجة استحكام، ليدخل في كابوس أسوأ من كابوس السابقين، وأرضه مهددة أن تضيع من بين يديه في أي لحظة، فحاله أشبه بالعطشان الذي فرح بالماء وعندما رشف الجغمة الأولى اختطف أحدهم الإناء، فرحته كالمثل القائل «فرحة الأعمى بالصبح» لا تحقق حلمه، ولا استمر يحلم، فمراقب البلدية من جهة، وتعقيدات الكهرباء من جهة أخرى، وجشع جاره تفوح روائحه، وهو في ظلمات بعضها فوق بعض عندما سلك السبل النظامية لاستخراج حجة استحكام تحمي ثمرة عرقه وكده. لا أدري ولا أريد أن أدري لماذا سلط سيف التاريخ 1385هـ على رقاب الحالمين بإثبات ملكية أراضيهم التي أحيوها، فلا يمكن لمواطن أن يستخرج حجة استحكام على أرضه إلا أن يأتي بمزكيين لشاهدين يشهدون بالله العظيم أنه أحياها قبل التاريخ المشؤوم، حتى لو أحياها الآن، فيزفر الحالم ويكح دما تحت وطأة هذا الضغط، ولا حلول أمامه، فلا يستطيع أن يدفع ضعف ثمن الأرض رسوما للبلدية، ولا يستطيع أن تبقى أرضه معلقة دون إثبات ملكيتها له، ولا يستطيع أن يعصي ربه ويرتكب المحرمات (الرشوة / شراء الذمم / شهادة الزور) التي حذره منه والداه وأساتذته ومشايخه، ويظل طوال حياته هاربا منها، ليرتكبها في الأخير مكرها في دار العدل!! ما دامت معاملة استخراج «الصك» تمر بشبكة طويلة من الإجراءات، وتوقيعات الجهات الحكومية بعدم ملكيتها للأرض، ويعلن صاحب الأرض عن حجة استحكامه في الجريدة بالتفصيل، ويكون شرط استخراج حجة الاستحكام تسوير الأرض كي يعلم الجيران أن هذه الأرض ملك لبانيها، وتقف هيئة النظر على الطبيعة، فما الحاجة إلى هذا التاريخ القاتل؟ الذي ذهب ضحيته الكثير من المواطنين، إما بترك معاملاتهم لأنها وصلت إلى طريق مسدودة، أو بالتعدي على حدود الله والبحث عن سبعيني مأجور أو ما فوقه يلقنه حدود أرضه، وأسماء جيرانه، ثم يسمعه أمام القاضي يحلف أن هذا الرجل أحيا الأرض قبل التاريخ المعجز، وصاحب الأرض يعلم أنها شهادة زور، والقاضي يعلم أنها كذلك، لكنها الإجراءات، حتى ماتت ضمائر بعض كبار السن وتخصصوا في هذا النوع من الشهادات، يسوغون فعلتهم هذه بمساعدة الناس على قضاء حوائجهم التي عطلها النظام، فهل يعقل أن حدود مدننا ثابتة من ذلك التاريخ؟! أناشد وزارة العدل، والجهات ذات العلاقة أن تدرس هذا الأمر سريعا، وأن يتقي الله القائمون عليها، وهم يجبرون الناس على تعدي حدوده، فما المانع أن يكون هناك استثناء للمواطنين ممن لا تتجاوز مساحة أراضيهم حاجة السكن، وليسوا من أصحاب الأطيان الكثيرة أو المساحات الزراعية، وكلي ثقة بأن الوزارة قادرة على استحداث آلية جديدة وشروط للإحياء والتملك تحفظ للمواطنين كرامتهم الدنيوية والدينية؛ ليعيش الإنسان صافي البال، فهذه المشكلات المعقدة التي تستنزف تفكيره تؤثر عميقا في أدائه وخدمته لوطنه وأمته، سيما وكل باحث عن سكن، أو «ناشب» في دهاليز «الصكوك» يقول عبارته الشهيرة المبكية: «ودي أموت وأنا مطمئن على أبنائي من بعدي»! احمد الهلالي @ahmad_helali رابط الخبر بصحيفة الوئام: قاتل الأحلام.. «1385هـ»!!