مازال المغنون الجدد يعتبرون الأغاني القديمة التي تجاوز عمرها سنة بأنها تراث عام يحق لهم السطو عليها واستغلالها دون اعتبار لحقوق مؤلفيها الأصليين. بل لم يعودوا يكترثون إن كان المؤلف الأصلي حي يرزق أم ميت! هذا الأمر ينطبق على الفنان ماجد المهندس الذي أعاد غناء وتسجيل الأغنية الشهيرة "عطاشا.. عطاشا" للراحل حمد الطيار من كلمات الأستاذ محمد العثيم؛ متجاهلاً تماماً هذه الأسماء، ودون أن يذكر أي اسم سوى أنها "فلكلور أو تراث"، مانحاً نفسه الحق بتجاوز حقوق الطيار والعثيم الأدبية والمادية، طالما أنه ذكر كلمة "فلكلور". وهذا لاشك أمر مؤذٍ، خاصة لكاتب كلمات الأغنية محمد العثيم الذي ما يزال بصحته وعافيته ونشاطه وتألقه حيث يعد العدة لإصدار كتب جديدة عن الأغنية في الجزيرة العربية ومؤلفات أخرى عن الفنون في نجد. يعلق العثيم على تجاهل ماجد المهندس لاسمه ولاسم الطيار: "أنا لا أريد منهم حقوقاً مالية، لكن من المعيب أن يعيد المهندس غناء الأغنية ويتجاهل صناعها بشكل تام، هذا حق أدبي لي وللراحل حمد الطيار لابد وأن يحترم". ماجد المهندس اختار هذا العمل بالذات بسبب شهرته الطاغية وظهوره بنسخ متعددة من قبل عدة فنانين منهم خالد عبدالرحمن وفهد الكبيسي، والكثير منهم سجل اسم العثيم والطيار على أغلفة الكاسيت أو على شاشات التلفزيون. ورغم هذا.. يستمر المهندس في تقديم مجموعة من الأغاني السعودية النجدية من ضمنها أغنية "الله حسيبك" والتي اشتهرت قديماً بصوت حياة الصالح والفنانة سارة عثمان وبثتها روتانا دون ذكر اسم مبدعيها الأصليين مع ذكر الكلمة السحرية "تراث" لتبرير هذا الفعل. أيضاً قدم المهندس أغنية "يا زين راح الوقت وأنا ترجاك" للراحل بشير حمد شنان الذي تجاهل اسمه تماماً مكتفياً بذكر اسم شاعرها حمد القريني.. وكأن اسم بشير عار وخزي على الأغنية، رغم أنه فنان أسطوري كون لنفسه تاريخ فني استولى عليه جميع الفنانين دون استثناء. المجموعة الشعبية التي قدمها ماجد المهندس في هذا العام ضمت أغنية "أرسلت لك يا عزوتي" ونوه في الشاشة أنها للراحل سلامة العبدالله من كلمات محمد الأحمد الناصر، وأغنية "أرسل سلامي" وخرجت هي أيضاً تحت التنويه للشاعر وحيد وغناء الراحل سعد إبراهيم. ماجد المهندس الذي يسترجع لنا تاريخ الأغنية النجدية، قدم أيضاً أغنية "تولعت بك والله" للراحلين سعود بن بندر والمطرب سلامة العبدالله. لكن لماذا تجاهل اسم الطيار والعثيم؟. ومن قبلهما بشير حمد شنان؟. ماذا يعني استيلاء أغلب نجوم الأغنية على أعمال الفنانين الراحلين أو المبتعدين عن الساحة الفنية؟. ولماذا تستمر وزارة الثقافة والإعلام بالسكوت على هذا السطو وعلى تسيب شركات الإنتاج في تشويه تاريخ العمل الفني السعودي؟. ثم ما هو دور جمعية الثقافة والفنون وجمعية المنتجين عن الإنتاجات المشبوهة والتي تدون تحت اسم "تراث"؟. إذا كان الوضع منفلتاً إلى هذه الدرجة فلا نستغرب أن تأتي أي جهة إنتاجية أو إعلامية - خارجية- وتدون هذا التراث باسم مكان ما خارج الحدود!. وهذا حدث في السنوات الأخيرة، حيث شاهدنا سحب جميع "الاسطوانات" القديمة من السعودية وبيعها في بعض دول الخليج بأسعار باهضة، للقضاء على آخر دليل يؤكد تاريخ العمل الفني السعودي وأصالته. إن ما قدمه الرعيل الأول للأغنية السعودية، بات اليوم مستباحاً من كل من هب ودب، فلا تمر فترة دون أن نسمع عن حادثة سطو على إبداعات النجوم القدامى، وآخرها الإنتاج الأخير لماجد المهندس. مشكلتنا تكمن في مطربينا السعوديين الذين كانوا سباقين للسطو على نشاط المؤسسين وحولوا كل الأرشيف الغنائي إلى تراث، وهم من فتح المجال لغيرهم من المطربين العرب للاستيلاء على كنوزنا الفنية دون احترام للمبدعين الأصليين.