×
محافظة المنطقة الشرقية

أنا وسامي

صورة الخبر

القاهرة: وليد عبد الرحمن طالب قس كنسي مصري لجنة الخمسين المنوط بها صياغة الدستور الجديد للبلاد، بتضمين الدستور مادة حقيقية تلغي فعليا تأسيس الأحزاب على أساس ديني، قائلا: «الدين لا يصلح أن يكون تجارة تتخذها الأحزاب في استقطاب البسطاء والفقراء تحت مفهوم الشريعة والدين». وأضاف القس الذي تحفظ على ذكر اسمه لموقعه الحساس في الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وفضل ذكر حرفين منه «و. ع»، أن الأحزاب الدينية في مصر «مشخصنة» وتعمل من أجل مصلحتها وتضرب بعرض الحائط المصالح الأخرى، مؤكدا أن هذه الأحزاب اختزلت الدين في أشخاصها، وذلك على النقيض من المفروض أن يكون عليه الحزب الديني برعاية المصلحة العامة للمواطنين والحفاظ على هيبة الدين وإعلاء قيمة الوطن والمواطنة وتقبل الآخر لا إقصائه.. من هنا كان إلغاء تأسيس أحزاب دينية مطلبا مصريا. وتنص المادة السادسة في الدستور المعطل الصادر في عام 2012 على «عدم قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين»، لكن بعض الأحزاب الإسلامية تجهر بممارساتها السياسية على أساس ديني وتحتمي بالدين. وعطل دستور 2012 الذي هيمنت جماعة الإخوان المسلمين على الجمعية التأسيسية التي قامت بوضعه، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي، وإعلان خارطة المستقبل في اجتماع لقادة الجيش بقوى إسلامية ورموز دينية على رأسها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريك الكرازة المرقسية. وعن رأيه في المادة 219 الخاصة بتفسير الشريعة الإسلامية في الدستور المعطل، قال القس الكنسي لـ«الشرق الأوسط» إنها «غير دستورية وضد الإسلام الوسطي الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. وهو ما يستوجب حذفها فورا». ونصت المادة 219 في دستور عام 2012 على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة». وحذفت لجنة الـ10 التي شكلها الرئيس المؤقت عدلي منصور من خبراء قانونيين وفق إعلان دستوري صدر في 8 يوليو (تموز) الماضي، المادة 219، لكن حزب النور السلفي الذي شارك بقوة في كتابة الدستور المعطل يعترض بشدة على حذفها، وطلب من الأزهر الشريف بشكل واضح التمسك بعدم حذف المادة بنصها السابق في الدستور الجديد. وعن أوجه الخلاف من وجهة نظر القس المصري في مادة الشريعة الإسلامية، أوضح أنها «مادة في ذاتها تسيء للدولة الإسلامية وحتى الدولة المدنية، لأنها لا تعبر عن الشريعة الإسلامية ولا تعطي تفسيرا واضحا لها، فهي مادة تتنافى مع مطلب مدنية الدولة وانفتاح الروح الدينية، ولم ترد في المادة إشارة إلى المذاهب الإسلامية الأخرى، بل تؤدي إلى الاحتكار بأن تجعل فصيلا معينا هو من يفسر ويشرع ويتحدث باسم الشريعة». ويمثل الكنائس المصرية الثلاث «الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية» في لجنة الخمسين 4 أعضاء، بالإضافة إلى 6 أعضاء في قائمة الاحتياط، وانسحبت الكنيسة المصرية من دستور 2012 الذي هيمن عليه الإسلاميين وأقر في استفتاء شعبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وعن طبيعة الأزمة بين الكنيسة من ناحية والأزهر والسلفيين من ناحية أخرى فيما يتعلق بنص المادة الثالثة من الدستور المتعلقة بأهل الكتاب، قال القس الكنسي: «هناك لقاءات تجري بين الأزهر والكنيسة للوصول إلى حل حول نص المادة،. لكن الكنسية مصرَّة على استبدال عبارة (غير المسلمين) بـ(المسيحيين واليهود) من المادة الثالثة». وتنص المادة الثالثة من الدستور المعطل على أن «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية»، لافتا إلى أن لجنة الدولة والمقومات الأساسية التي تختص بالمواد المتعلقة بالهوية في الدستور، أقرت تعديل نص المادة وتنتظر لجنة الصياغة، مؤكدا أن نص المادة القديم الذي يصر عليه الأزهر والسلفيون، يتعارض مع حرية العقيدة ويهمل حقوق وشرائع الأديان الأخرى. وأعلن الأزهر الشريف تحفظه رسميا على محاولة المساس بالمادة الثالثة ورفضه حذف «المسيحيين واليهود» واستبدال «غير المسلمين» بها. وعن رأيه فيما أجمع عليه فقهاء القانون من ضرورة إلغاء مرجعية «هيئة كبار العلماء في مسائل الشريعة الإسلامية في المادة الخاصة بالأزهر لما لها من مساوئ تهدد المجتمع المصري وتمنح (كبار العلماء بالأزهر) سلطة التحكم في إصدار القوانين، الأمر الذي يتناقض مع مبادئ الدولة المدنية»، قال: «هذا شأن إسلامي»، لكنه استطرد قائلا: «الأفضل أن تكون (كبار العلماء) مسؤولة عن تفسير ما يرد إليها في الأمور الشرعية». وحول الرأي القائل بأن الرجوع لـ«كبار العلماء في الأزهر» في الأمور الشرعية يفتح مجالا لوجود كهنوت في الإسلام، قال القس إن «الموجود في الكنيسة لا يتحدث ولا يتدخل في الأمور السياسية، وإنما يختص بأمور الدين داخل الكنيسة لا يخرج عن إطارها.. ولفظ (كهنوت) مطاطي استخدم في السابق من قبل البعض من أجل إحداث نوع من الاستقطاب للرأي». واشتكى المسيحيون المصريون من إجراءات تمييزية بحقهم خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وفي عهد جماعة الإخوان، رغم أن الدستور والقانون في البلاد يتيحان حرية الاعتقاد ويجرمان التمييز على أساس الدين، كما وقعت خلال العقود الماضية اشتباكات وأحداث طائفية راح ضحيتها العشرات من الجانبين: المسيحيين والمسلمين. وعن المادة العاشرة في الدستور المعدل بـ«مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية»، قال القس: «لا بد من معرفة أن المرأة نصف المجتمع وشريك الرجل ولها حقوقها الأساسية.. وتضمين الدستور مادة تعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة اعتراف بهذا الأمر وبهذه الحقوق». وتابع: «لكن هذا في إطار ما يضمن تحقيق هذا الأمر بصورة تتماشى مع الشريعة الإسلامية، وهذا لا يعطي أبدا مفهوما بأن هناك عدم مساواة، لأن الشريعة الإسلامية أعطت المرأة حقوقها». وعن مادة ربط الأجر بالإنتاج ومبدأ التكافل في الدستور، قال القس المصري إن التكافل حق على الدولة لرعاياها، والشريعة الإسلامية تعطي هذا الحق للشعوب، وأيضا الكنيسة تعطي حق التكافل، لكن فيما يخص ربط الأجر بالإنتاج، فهذا يتنافى بالطبع مع تحقيق العدالة الاجتماعية التي ينشدها المجتمع ويسعى لتحقيقها. وكشف القس المصري عن أن الكنيسة تفضل العمل بالنظام الفردي في الانتخابات البرلمانية، قائلا: «النظام الفردي الأنسب الآن نظرا لحالة البلاد غير المستقرة»، مضيفا: «الكنيسة مع إلغاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، لأن في الإبقاء عليه إهدارا للمال العام، وتتحفظ على أن يكون هناك نسبة للعمال والفلاحين في البرلمان»، لافتا إلى أن الكنسية لا تفضل وجود مادة تتعلق بالعزل السياسي لرموز نظامي مبارك ومرسي، لأن ذلك ضد مبدأ الديمقراطية، لكن من تثبت إدانته عن طريق القضاء هو من يعزل.