القاهرة: محمد مصطفى أبو شامة * زياد بهاء الدين يروي لـ «الشرق الأوسط»، تجربة 10 سنوات داخل أروقة الحكم في مصر بين الاقتصاد والسياسة (2 - 3) * يستكمل الدكتور زياد بهاء الدين في حواره المطول مع «الشرق الأوسط»، ما بدأه عن قصة 10 سنوات قضاها داخل أروقة الحكم في مصر ما بين الاقتصاد والسياسة، قبل أن يخرج مستقيلا من الحكومة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد تحفظه على إقرار قانون التظاهر الذي اعتبره بمثابة خروج عن المسار الديمقراطي. ويرى نائب رئيس الوزراء وزير التعاون الدولي السابق، أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر فشلت في الحكم وخسرت مساحة كبيرة من الشعبية والتأييد بسبب سوء إدارة الجهاز التنظيمي للجماعة لكل المراحل السياسية التي مرت بها مصر بعد ثورة 25 يناير، ويعتقد أن خروجه لإسقاط الرئيس المنتخب مرسي، في صحبة من أطلق عليهم «فلول» الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لا يجعل وصف ثورة يونيو 2013 بـ«ثورة مضادة» وصفا صحيحا، كما أنه يرفض بشدة تسميتها بـ«الانقلاب»، حيث يؤكد على أن مصر شهدت حراكا شعبيا مكثفا خلال 6 أشهر سبقت يونيو، وأن نزول الجيش كان لحظة الذروة لهذا الحراك الثوري. ويعترف بهاء الدين، بأنه كان لديه استعداد لتولي رئاسة أول حكومة بعد 30 يونيو، لولا التدخل السلفي الذي رفض وجوده على رأس حكومة الثورة وقتها، ويؤكد أن الدكتور محمد البرادعي كان ضمن عدد من أصدقائه الذين تدخلوا لإقناعه بمنصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي تشكلت بعد ذلك. وإلى نص الجزء الثاني من الحوار. * حاول البعض أن يلبس الجماعة ثوب الضحية، في مسألة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقيل إنها ربما تكون قد دفعت إلى ذلك في هذه المرحلة؟ ما رأيك؟ - ليست لدي أي معلومات تجعلني أوافق، لا يهم من قد دفعها أو ساندها في القرار، لأن قرار الترشح كان قرارا خطأ ومخالفا لما أعلنوه من قبل، مصر في هذه المرحلة كانت تحتاج إلى رئيس توافقي أكثر من رئيس يمثل اتجاها سياسيا حادا. * هل سقط تنظيم الإخوان؟ وهل كانت «أخونة الدولة» هي المسمار الأخير في نعش الجماعة سياسيا؟ - أعتقد أن مشروع الإخوان الذي كان له تيار داعم كبير في مصر، سقط ضحية لتنظيم الإخوان، سقطت فكرة الدولة الإخوانية التي انحاز لها ناس كثيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أعقبت الثورة، فلا يمكن أن نغفل مثلا أن محمد مرسي حصل على 5 ملايين صوت في المرحلة الأولى، وأكثر من 12 مليونا في المرحلة الثانية من الانتخابات عام 2012. كنا نعيب عليه أنه تنظيم تاريخه سري ومغلق وغير قابل للتفاعل والتطور بالسرعة الكافية إلى آخر العيوب التنظيمية التي كنا نعرفها عن الإخوان، والتي ظهرت واضحة في منهجهم في «أخونة الدولة» بمعنى تفضيلك الدائم لمن معك في التنظيم ومن هو قريب منك فقط بعيدا عن الكفاءة. لذلك أرى أن من أفسد حكم الإخوان هو التنظيم نفسه الذي لم ينجح في إدراك حاجته للتطور والانفتاح على المجتمع، فأصبح الناس يرونه منغلقا ومتجها إلى تحقيق مصلحة التنظيم وأعضائه لا مصلحة الوطن. * أليس من حق أي حزب أو جماعة تصل إلى السلطة بأن تحرك كوادرها لتتولى مناصب المسؤولية كي تتمكن من إدارة الدولة؟ تجربة الوفد مثلا قبل 1952 أو حتى ما قام به الجيش منذ ثورة يوليو كان شبيها بذلك؟ - المقارنة غير جائزة بين الجيش والإخوان، يمكن أن نقارن الإخوان بالوفد قبل ثورة 1952. لكن الجيش ليس حزبا سياسيا، ولا يعبر بوضوح عن آيديولوجية محددة، ولا يمثل فئة معينة من الشعب المصري. من الجائز أن تصف الجيش وتقول إنه له اتجاه محافظ في موضوع ما أو قريب من الاقتصاد، هذا يختلف مع أن يكون للجيش آيديولوجية فكرية، كأن يكون بعثيا أو اشتراكيا، هذا غير موجود في مصر. * هل هذا يعني قبولك أم رفضك لتدخل الجيش في النشاط المدني؟ - أعتقد أنه يمكن أن يكون ضرورة في أوقات معينة وظروف استثنائية، لكن يجب أن يكون هناك تصور واتفاق في المجتمع حينما تنتهي هذه الظروف على نوع من التخارج التدريجي (phasing out) من العمل المدني. وأنا أختار كلماتي بدقة شديدة، ورأيي أنه في مصر يجب أن يكون هناك حوار في المجتمع –على مدى زمني- حول فكرة التخارج التدريجي للجيش من العمل المدني. * لماذا يتقبل المصريون الآن ما رفضوه تماما من الإخوان أثناء حكمهم؟ - نحتاج أن نميز بين الموضوعين الاقتصادي والسياسي، حيث إنه لا يمكن دمجهما معا.. لأن تفسير القبول في كل منهما مختلف. لو أخذنا مثلا رفع الدعم، فأنا أعتقد أن هذا له خصوصية. طبعا لا شك في الحالتين أن جزءا منها مرتبط بشعبية الرئيس بالإضافة لثقة الناس فيه. كما أن هناك تغيرا إيجابيا عند الناس نتيجة حالة الحوار السياسي والانفتاح في الكلام خلال سنوات الثورة، اقتنع الناس أن هناك شيئا خطأ في موضوع دعم البنزين و(أسطوانات) الغاز، وأنه من غير المنطقي أن تدافع عن سياسة تجعل سعر الأسطوانة 8 جنيهات، بينما تباع في وقت الذروة والأزمة بـ40 جنيها. وهذا يراه الناس بأعينهم. من المهم أن نقدر للشعب المصري وندرك أنه نضج فكريا في الأمور الاقتصادية. * هذا هو الشق الاقتصادي، ماذا عن الشق السياسي؟ - الشق السياسي مرتبط أكثر بشعور الناس بوطأة الانفلات الأمني خلال الـ3 سنوات الماضية، وخطورة العمل الإرهابي المتصاعد منذ عام، وتزايد العنف خاصة في الشهور الـ3 الأخيرة، والتي وصلت ذروتها في حادثة سيناء (كرم القواديس)، والهجوم البحري في دمياط. وكل هذا جزء مكن من قبول المجتمع بأوضاع دستورية وسياسية ربما لم يكن يقبل بها سابقا. ولكن من جهة أخرى لا ينبغي أن تتحول مكافحة الإرهاب إلى ذريعة للتضييق على الحريات أو لتعطيل الدستور أو الابتعاد عن المسار الديمقراطي. * هل ترى أن خيار المصريين الدائم بين الجيش والجماعة هو قدر لم يتغير من 1952 إلى الآن؟ أم أن الأزمة سببها الطرف الثالث في المعادلة، وهو التيار المدني «الغائب الدائم»؟ - التيار المدني ليس غائبا ولكنه طوال الفترة الإخوانية كان مشغولا بمقاومة مشروع الدولة الدينية الذي كان يمثله حكم الإخوان، أما الآن فعلى التيار المدني أن يعيد ترتيب صفوفه وإعادة طرح هويته باعتباره ضد الدولة الدينية وأيضا ضد توغل الحكم العسكري في الشؤون المدنية. * كيف تعاملتم كحزب سياسي مع فكرة إسقاط رئيس منتخب، عن طريق يتعارض (نظريا) مع قواعد الديمقراطية؟ - أريد أن أقول شيئا هاما في موقفي وموقف الحزب، موقفنا من انتخاب الرئيس مرسي كان في غاية الوضوح، لأننا اعترفنا بانتخابه من اللحظة الأولى، وقلنا هذه انتخابات سليمة في تقديرنا –على ما يبدو، إلا لو كان لدى أحد ما يقدمه من دلائل أخرى. وأن انتخابه كان شرعيا، وأصبحنا حزب معارضة في فترة حكم مرسي. قبلنا اختيار الصناديق، لكننا لم نقبل أن ينحرف الرجل ويأخذ البلد ويذهب بها، ولهذا كان موقفنا مع إسقاط حكم الإخوان، لأنه حكم إن كان جاء بالصندوق والديمقراطية، إلا أنه انحرف عنها وأخذها في مسار مختلف. * هل تواطأ الساسة والمثقفون على الديمقراطية لكي يزاح الإخوان عن الحكم؟ وهل تتجزأ المبادئ؟ - المبادئ لا تتجزأ ومبادئنا لم تتغير نهائيا. لسبب واضح، أننا نرى أنه بقدر ما كانت ثورة يناير ثورة حقيقية بقدر ما 30 يونيو وجدت نفس التعبير الثوري، والجملة التي نرددها كثيرا في الحزب هي أننا قريبون ومتعاونون مع كل من لا يعتبر يونيو انقلابا، ولا يعتبر يناير مؤامرة خارجية. فنحن نبدأ من أن الحالتين كانتا تعبيرا عن تغير ثوري حقيقي في البلد. ونحن جزء من تيار كان بلا شك في الأشهر الكثيرة التي سبقت 30 يونيو مشاركا بشكل فعلي في محاولة إسقاط هذا الحكم (الإخوان). وهي مسألة لا يمكن أن ننكرها، وفعلناها بمفهومنا؛ الذي قد يبدو اليوم متواضعا.. لكن رأيي أن هذا أيضا يبخسه بعضا من حقه، فالنظر إلى 30 يونيو على أنها «فجأة الجيش نزل وتخلص من الإخوان»، تغفل أنه خلال 6 أشهر- على الأقل من نوفمبر (تشرين الثاني)، وقت صدور الإعلان الدستوري الشهير- كان هناك حراك في الشارع، وأعتقد أننا كنا في مقدمته. * ألا ترى أن في خروج مؤيدي الرئيس الأسبق مبارك (ما سمي بالفلول) خلال مظاهرات 30 يونيو، ثم سيطرتهم على معظم المشهد السياسي يجعل من الممكن وصفها بـ«الثورة المضادة»؟ - ما حدث أن 30 يونيو جمع قوى كثيرة جدا في وعاء واحد.. كل القوى التي كانت في هذا الوقت راغبة في التخلص من الحكم الإخواني.. وهذا شاهدناه جميعا بأعيننا. فكان من بينها من انتصروا من أجل اتجاه التغيير والديمقراطية بعد ثورة يناير، ومنها من كان يمثل الحزب الوطني ونظام مبارك، ومنها من كنا نطلق عليه في هذا الوقت «حزب الكنبة»، وهم المواطنون غير المنحازين سياسيا لأي اتجاه، لكن غير راضين عن استمرار حكم الإخوان. أما ما جاء بعد ذلك هو صراع ما بين قوى سياسية مختلفة، كل منها يعبر عن موقفه. * لقد خرجتم في يناير- كما قلتم وقتها- لإسقاط حكم وصف بأنه عسكري، فكيف تقبلون وتشتركون في حكم هو أيضا ذو خلفية عسكرية، ألا تشعر بالتناقض؟ - إن مواقفي ومواقف حزبي بعد 30 يونيو لم تختلف مطلقا عن كل ما قلته قبلها. في كل مرة كنا ضد توغل المؤسسة العسكرية على الحكم المدني. وفي كل مرة كنا ضد صدور قوانين تقمع الحريات والتي كنا ضدها وقت مرسي أيضا. كما أن موقفي من قانون التظاهر يعلمه الجميع، وموقفي من قانون التحقيق مع الطلبة في الجامعات، وموقفنا من قانون الجمعيات وكنا ولا نزال مؤيدين لحرية العمل الأهلي، وموقفنا من تحصين قرارات رئيس الجمهورية بأي شكل نحن ضده بصورة مطلقة. موقفنا من التوسع في اختصاص المحاكم العسكرية معروف أيضا. ممثلانا في لجنة الـ50 (الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري) هدى الصدة ومحمد أبو الغار، كانا مع نص أضيق في اختصاص المحاكم العسكرية. موقفنا لم يتغير. وكل شيء انتقدناه في حكم الرئيس مرسي وحكم الإخوان، لا يزال موقفنا منه لم يتغير مطلقا منذ 30 يونيو وحتى اليوم؛ حتى وأنا في الحكومة. * هل شاركت بفاعلية في جبهة الإنقاذ؟ - لم أشارك في جبهة الإنقاذ بفاعلية قد أكون حضرت مرة أو اثنتين فقط، بسبب انشغالي بالملف الاقتصادي في الحزب، وبقضايا الصعيد. لكن لم أكن على الإطلاق فاعلا في إدارتها. * هل كنت مؤيدا لدورها ووجودها؟ - كنت معترضا على بعض الأشياء، منها أن التحالف السياسي الذي يجمعه العداء لتيار معين فكرة مربكة، لأنها بالضرورة تدفعك إلى الخلف في قدرتك على طرح قضايا اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لأنك مصر على الحفاظ على مساحة عريضة جدا من الاتفاق بين أشخاص مختلفين. وأعتقد أن أعضاءها لم ينتبهوا إلى أن الناس بقدر ما كانوا رافضين الإخوان، لم يكونوا متحمسين لشكل جبهة الإنقاذ في هذا الوقت أيضا، لأنها كانت تبتعد تدريجيا عن مشاعرهم ورغباتهم الحقيقية. * هل بالفعل تم ترشيحك لمنصب رئيس الوزراء بعد 30 يونيو، وأنك رفضت؟ - لا أعرف ما هي آليات الترشيح، فقد كنت خارج مصر في زيارة لشقيقتي في رومانيا، وكان ذلك عقب مشاركتي في مظاهرات يوم 30 يونيو والأول من يوليو، سافرت يوم 2 يوليو، على اعتبار أن المسألة منتهية وتتجه إلى تغيير جذري ما، وأن الذي كنا نحاربه لن يستمر وسيسقط حتما. ثم سمعت خبر ترشيحي لرئاسة الوزراء على التلفزيون، وعلمت بخبر الفيتو (الاعتراض) عليه من التيار السلفي؛ واعتبرت أن المسألة منتهية. * هل كان لديك استعداد لتولي المنصب؟ - كان لدي استعداد نعم، لكن وقف الرفض السلفي حائلا أمامي، وأعتقد أنه كان مؤثرا في دائرة صنع القرار (وقتها)، ونذكر مدى أهمية وجود السلفيين في هذه اللحظة، ومشاركتهم القوية يوم 3 يوليو 2013 عندما أعلنت خارطة الطريق. والشيء الآخر، أنني كنت متحفظا لعدم معرفتي بالقواعد التي سيتم بها إدارة المرحلة المقبلة (آنذاك)، مثل من سيكون فعليا في الحكم، ومن سيكون فعليا صاحب القرار، وخاصة أن الإعلان الدستوري لم يكن صدر بعد. * هل تدخل الدكتور محمد البرادعي بعد ذلك لإقناعك بالانضمام إلى حكومة 30 يونيو برئاسة الدكتور حازم الببلاوي؟ - تدخل إلى حد كبير، وآخرون. ومن بينهم زملاء في الحزب وبعض أصدقائي. * أقنعوك بالانضمام إلى الحكومة؟ - نعم،، كلهم أصدقاء أثق في رأيهم بشكل عام، كان هناك أكثر من طرف تدخل لإقناعي، ومنهم الدكتور البرادعي. * على ذكر الدكتور البرادعي، هل كان يتفاوض بالفعل مع الإخوان بعد 30 يونيو؟ - نعم، هو شخصيا قال كلاما على هذا النسق، ولو نتذكر، أنه قال في استقالته ما معناه أنه كان من الممكن تجنب حدوث رابعة لو كان استمر في مسار ما. * وهل وصلت مفاوضاته وقتها لما يمكن وصفه لـ«حل يرضي جميع الأطراف»؟ - كنت مشغولا بالحالة الاقتصادية ومشاكلها، وهذه المفاوضات كانت تتم عبر مؤسسة الرئاسة، واتصالي بالملف السياسي لم يبدأ حقيقة إلا في أعقاب فض رابعة، فقد عرضت بعدها على مجلس الوزراء مبادرة متكاملة لحماية المسار الديمقراطي، وانعقد المجلس خصيصا في هذا اليوم لمناقشة هذه الورقة، ولكن لم نصل إلى اتفاق يومها. فتأجل عرضها مرة أخرى إلى جلسة ثانية، وتناقشنا مرة أخرى، وأجريت تعديلات على الورقة، وصدرت بقرار مجلس الوزراء يوم 21 أغسطس (آب). * كيف تقيم استقالة البرادعي وانسحابه في هذه اللحظة التاريخية المعقدة؟ - سأظل مدافعا عن الدكتور البرادعي- كما فعلت من اللحظة الأولى- باعتبار أنه في نهاية الأمر هو حر في قراره، أيا كان تقدير كل منا لصحة أو عدم صحة موقفه، لكن أرفض اتهامه بأنه «خائن وعميل». * ليس للأمر علاقة بـ«الخيانة والعمالة» ولكن ألا يمكن أن نصف موقفه بـ«سوء التقدير»؟ - بالعكس، لأن من سمات القرار الجماعي أنك إما أن تشارك فيه أو ترفضه، إذا رفضته فإن من حقك الخروج منسحبا، لكن الصعوبة أن تظل في مكانك وتقول: «أنا ضده ولكن أنا موجود». وفي مثال يخصني شخصيا، كان موقفي من قانون التظاهر من اللحظة الأولى أنه خطأ قانوني وسياسي، وقلت ذلك.. إذن عندما يصدر القانون، ليس أمامك سوى أن تقول إما أنك اقتنعت بوجهة النظر التي تقول إنه سليم، أو تقول سأغادر.. لا يوجد بديل آخر. * يصف البعض ما حدث معك ومع البرادعي باللفظ السياسي التالي «تم استخدامكما وحرقكما أمام الرأي العام لإنهاء دوركما السياسي»، ما تعليقك؟ - جائز.. لكن دعني أوضح شيئا.. هناك فارق كبير بين من يدخل العمل العام لكي يحافظ على نفسه، ومن يدخل لاعتقاده أنه من الممكن أن يفعل شيئا مفيدا في لحظة معينة، ثم يتحمل العواقب. إذا كان هناك من سعى إلى حرق البرادعي أو وزراء جبهة الإنقاذ أو أنا تحديدا، فقد يكون نجح أو لم ينجح، لكن في الحالتين هذا ليس اعتبارا أساسيا- بالنسبة لي- عندما تقرر الدخول بنية القيام بعمل مفيد. بالتأكيد هذا الأمر، يهم ذلك الشخص الذي يبني لنفسه تصورا سياسيا كبيرا في المستقبل، لكن أنا شخصيا أرى أنه إذا كان تم «حرقنا» فسيأتي من هو أفضل منا، وانتهى الأمر. وإذا كان هناك من نجح في إخراجي من الساحة السياسية، فليكن، وأنا فعلت ما يمكنني فعله في لحظة معينة وضميري مستريح. * ما هي أهم إنجازات حكومة الببلاوي من وجهة نظرك؟ وإلى أي مدى أنت راض عن دورك فيها؟ - أعتقد أن حكومة الببلاوي فعلت ما كان يمكن عمله في الجانب الاقتصادي، في الأشهر القليلة التالية لانتقال السلطة. فالوضع الاقتصادي كان- من دون مبالغة- ليس في حالة خطورة فقط، بل في حالة انهيار. نتحدث عن موارد ليست موجودة في البلد، احتياطيات ناضبة في كل الاتجاهات، توقف تام للنشاط الاقتصادي، ووضع غير قابل للاستمرار نهائيا. لذا أعتقد أن أول ما فعلناه سد هذه الفجوة الكبرى حتى تبدأ الأمور في اتخاذ مجرى أفضل. أهم ملامح ذلك يلخصه 3 عناوين عريضة في تقديري، الملمح الأول هو أن تأتي في لحظة بها عجز موازنة وانخفاض شديد في الإنفاق وتتمكن من عمل ما يدعى بـ«رد الفعل العكسي». حيث قررنا في هذه اللحظة بالذات أن نزيد من الإنفاق العام بشكل غير مسبوق، أي بما أن الاقتصاد متوقف تماما: «سننزل ونصرف». ولذلك كنا نتكلم آنذاك عما يسمى بـ«حزمة التحفيز» التي بلغت 27 مليار جنيه (نحو 3.85 مليار دولار) ممولة من الموازنة العامة، واستكملت بعد ذلك بمبلغ آخر. واتخذ الإنفاق العام اتجاها عنيفا (aggressive)، وإلا كانت الحركة الاقتصادية توقفت تماما. الشيء الآخر، بالطبع كان هناك استعداد من دول الخليج لمساعدتنا، لكن أظن أننا تحركنا بسرعة كافية معهم بما يسمح بأن تأتي التدفقات بالفعل، وتجد منافذ للصرف. وكنت شخصيا متوليا لملف التنسيق مع دولة الإمارات في المعونة الاقتصادية، وأعتقد أنه بالتعاون مع وزارة التخطيط تحديدا استطعنا أن نقدم لهم بسرعة ما يمكن تمويله مما كان له أثر سريع في تنشيط الاقتصاد. كما أدرت شخصيا مسألة استعادة العلاقة مع بنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي للتنمية والإعمار، والبنك الدولي. وفي نهاية الـ6 أشهر، التي توليت فيها المنصب، أعدنا التعامل حتى مع الاتحاد الأفريقي، وسويسرا والدنمارك وألمانيا وفرنسا.. وإذا عدنا إلى الملفات ستجد أنني وقعت اتفاقات مع كل هذه الدول التي كانت توقفت عن تمويلنا في أعقاب 30 يونيو. والأمر الثالث هو أن حكومة الببلاوي، رغم كل ما قيل بعد ذلك، نجحت في أن تدفع ببعض العناصر الهامة في أجندة العدالة الاجتماعية؛ حتى خلال تلك الفترة الوجيزة. وعلى رأسها الحد الأقصى للأجور، والحد الأدنى للأجور الذي يتنصل منه الجميع اليوم كما لو كان عيبا رغم أهميته، وقانون منع تعارض المصالح الذي قدمته بنفسي لمكافحة الفساد وتمت الموافقة عليه وهو سارٍ إلى اليوم، وزيادة المعاشات بنسبة 50 في المائة خلال تلك الفترة، وتوفير الأموال الكافية لإعفاء الطلبة من الرسوم، توفير الموارد الكافية لشراء القطن والقمح بأسعار تسمح للفلاح بأن يستمر، وغيرها من أشياء حققناها. * هل يتحمل الإخوان ما وصل إليه الاقتصاد المصري في 30 يونيو من انهيار؟ - الموقف في 30 يونيو كان نتيجة تراكمية، مع مجيء الإخوان كان قد مضى أكثر من عامين على الثورة، وعجلة الاقتصاد شبه متوقفة، مصانع تغلق والبطالة تتزايد والاحتياطي النقدي يتناقص، لكن أظن ما ينسب إلى الإخوان خلال فترة حكمهم سواء وهم حزب الأغلبية في البرلمان أو توليهم الرئاسة، هو فشلهم على الأقل في وقف النزيف وإدارة الاقتصاد بشكل أفضل، كما أن تواجدهم على رأس الحكم قد أدى إلى تفاقم الأزمة بسبب الخوف من «أخونة» الدولة وما أدت إليه من توقف الاستثمار. * كنت وزيرا على قمة المجموعة الاقتصادية.. وكانت أهم معاركك الحكومية سياسية، من معركة المسار الديمقراطي إلى موقعة قانون التظاهر.. ما تعليقك؟ - صحيح.. وتعليقي ما قلته في أكثر من مناسبة قبل ذلك، بأنني أعتقد أنني أمضيت أكثر من 95 في المائة من وقتي في الملف الاقتصادي، ولذلك فأنا سعيد جدا بما انتهى إليه في الفترة الوجيزة التي كنت موجودا فيها. لكن الجزء الظاهر إعلاميا هو الجزء السياسي. ولا يوجد بلد في العالم الوزير فيها ليس سياسيا، ولا يوجد شيء اسمه أن يكون الوزير في حكومة وليس له رأي في الموضوع، هذا من جهة. لكن من جهة أخرى، أنا كنت وما زلت مقتنعا أنه حتى من منظور الاهتمام بالملف الاقتصادي، هناك ضرورة لمتابعة الملف السياسي والتحقق من أنه يسير بالشكل السليم، لأن ما يخدم الاقتصاد في النهاية ليس مجرد إحصائيات وأرقام، ولكن المناخ السياسي.. والمناخ السياسي إذا كان مواتيا يتقدم الاقتصاد، وإذا كان غير ذلك حدث العكس. ففي الحالتين، ذلك من صميم عملي أولا، وهو أيضا من واجب أي وزير في أي حكومة.