تحفل مكتبة الحرم المكى الشريف بتاريخ عريق، حيث يعود إنشاؤها إلى القرن الثاني الهجري، ويرجع تسميتها بمكتبة الحرم المكي الشريف إلى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-إذ شكل لجنة من علماء مكة المكرمة لدراسة أوضاعها وتنظيمها بما يتفق مع مكانتها وأهميتها وأسست في عهده -رحمه الله- عام 1357 هـ، إذ أهدي إليها مجموعة من الكتب والمخطوطات النفيسة. وكانت نواة مكتبة الحرم المكي إحدى قباب الحرم التي خصصت في ذلك الوقت لحفظ المصاحف التي ترد إلى الحرم المكي وبمرور الأيام نمت مجموعاتها حتى انتقلت إلى خارج الحرم عام 1375هـ وكانت تابعة لوزارة الحج حتى عام 1385هـ بعدها انضمت إلى الرئاسة العامة للإشراف الديني بالمسجد الحرام حتى تغير اسمها إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وأوضح الدكتور فهد بن جبير السفياني مدير مكتبة الحرم المكي الشريف، وأمين مركز البحث العلمي بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في حديث لـ»المدينة» أنه حدث تنقلات عدة للمكتبة حتى استقرت الآن في شارع الشيخ عبدالله خياط في حي العزيزية، لافتا إلى أنه صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله- على إنشاء مبنى عالمي لمكتبة الحرم المكي الشريف في التوسعة التاريخية، قائلا:»إن شاء الله ستنتقل المكتبة إلى موقعها حالما تنتهى المباني، وبذلك تعود إلى مكانها الأساسي». مخطوطات نادرة وأضاف أن المكتبة تحتوي على عدد من الأقسام أهمها قاعة المطالعة، قسم المخطوطات، قسم التصوير، قسم الدوريات الذي يحتوي على دوريات نادرة ليس لها مثيل في العالم، لقدمها، قائلا:»المكتبة تحتوي على أكثر من نصف مليون كتاب، منها ثمانية آلاف مجلد من الكتب النادرة، حيث اعتمدت شركة لتحويلها إلى النظام الرقمي، وبدأت العمل فيها». ومضى بقوله:»يوجد بالمكتبة أكثر من (40) ألف عنوان، خلاف الدوريات، والكتب متنوعة، حيث إن أكثرها في العلوم الشرعية وما يتبعها من علوم التاريخ واللغة العربية، وكتب في الفيزياء والكيمياء وعلم النفس». المصحف العثماني وقال:»لدينا مخطوطات لا توجد إلا في مكتبة الحرم والنسخة الأصلية الوحيدة موجودة في مكتبة الحرم فقط، ويوجد في المكتبة صورة من المصحف العثماني، الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أُهديت لسماحة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام- رحمه الله- الذي أهداها إلى مكتبة الحرم المكي الشريف». 40 ألف كتاب وألمح إلى أن المكتبة تحظى باهتمام كبير من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتورعبدالرحمن السديس، لافتا إلى أنه وجه بإنشاء مكتبة داخل أروقة المسجد الحرام، تتبع إداريًا لمكتبة الحرم وافتتحها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في شهر رجب من العام الماضي 1434هـ، وتضم ما يقارب 40 ألف كتاب تحوي على أكثر من خمسة آلاف عنوان، وبعض المخطوطات. 40 مكتبة خاصة وذكر أن مكتبة الحرم تعد أكبر محضن للمكتبات الخاصة في مكة، قائلا:»عندنا ما يربو على 40 مكتبة خاصة في مكة أهداها أصحابها لمكتبة الحرم، فجعلت وقفًا يستفيد منه طلاب العلم، وهى موجودة وتم فهرسة ثلاث مكتبات منها». وأكد أن تلك المكتبات الخاصة تحوي كتبا نادرة ومخطوطات نفيسة، مضيفا أن المكتبة تحرص كل الحرص على احتواء هذه الكنوز الثمينة، لأنها لا تقدر بثمن، وكونها في المكتبة تجذب لنا الباحثين من جميع أنحاء العالم. 100 ألف شريط وأشار السفيانى إلى أن قسم المكتبة الصوتية يضم أكثرمن مئة ألف شريط، وستحول إلى مكتبة رقمية وسيديهات، وهناك مشروع إنشاء قناة الحرمين، حيث وافقت عليها وزارة الثقافة والإعلام، وستكون هذه القناة منفذًا للمادة العلمية الزاخرة الموجودة في المكتبة الصوتية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وجميع الدروس، التي ألقيت في المسجد الحرام موجودة لمشايخ مازالوا على قيد الحياة ومنهم من مات رحمهم الله جميعًا. وألمح إلى وجود أجهزة تحول الأشرطة إلى سيديهات وأخرى تنقي المادة الصوتية، مؤكدا أن المادة الموجودة متنوعة منها صلوات جهرية وتراويح وتهجد، ومن يرغب في الحصول على التسجيلات يحصل عليها مجانًا، ويتردد طلاب العلم للمكتبة الصوتية لطلب بعض الدروس العلمية وتعطى لهم. صمود الكتاب وقال:»ما دامت دور العلم قائمة مثل الجامعات والدراسات العليا ومراكز الأبحاث فلا يمكن الاستغناء عن الكتاب حتى وإن زاحمته التقنية، صحيح أن التقنية توفر الشيء الكثير في الزمن والوقت والتكاليف لكن لا يمكن الاستغناء عن الكتاب بدليل أعداد الزوار الكثر الذين يأتون إلى مكتبة الحرم المكي الشريف، كما أن الدورات العلمية التي نقيمها نجد لها إقبالًا كبيرًا، وأرى أن صورة الكتاب لم تهتز ولن تهتز». باحثات في المكتبة وكشف الدكتورالسفيانى أن قسم الخدمة بالمكتبة يقمن عليه نساء وزواره من طالبات الدراسات العليا وعضوات هيئة التدريس بالجامعات والطبيبات، لافتا إلى أن المرأة تسير مع الرجل جنبًا إلى جنب، ومكتبة الحرم ليست خاصة بالرجال، ولدينا مشروع للبحث العلمى يقوم به عدد من الباحثات، وهو بعنوان دور المرأة في الحرمين الشريفين منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الآن من حيث الدروس والخدمة. مفخرة الرئاسة وعن دور مركزالبحث العلمى الذي أنشأته الرئاسة مؤخرًا، أكد أن هذا المركز هو مفخرة للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، لأن الدول المتقدمة تقوم حضاراتها على المراكز البحثية، قائلا:»هذا المركز الوليد كان نشيطًا منذ بدايته، وصدر له الآن عشرة كتيبات ولله الحمد، في مجال التعريف بالمركز وكتيبات تختص بمكة المكرمة وبالمسجد الحرام وبالمدينة المنورة والمسجد النبوي، وقريبًا سيصدر كتاب عن مخطوطة تتعلق بالمسجد الحرام، وهناك كتاب يتناول جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خدمة الحرمين الشريفين، والمركز يعتبر المصنع للمادة الخام الموجودة في المكتبة.» مركز للوسطية وحول دور هذا المركز في مواجهة الانحرافات الفكرية، قال السفيانى:»الحقيقة ديننا دين الوسطية ومنهجنا منهج الوسطية، والمراكز العلمية في المملكة تركز دائمًا على غرس منهج الوسطية، وعلى هذا فالمركز يعالج الانحرافات الفكرية بإظهارالجانب الحقيقي والإيجابي للوسطية، وذلك حسب ما هو موجود ومستنبط من الكتاب والسنة، لأن العلاج لابد أن يكون مستقى من قواعد شرعية منضبطة، لأنه ربما يكون هناك علاج فيه نوع من الغلو». وأضاف:»بعض الناس ينهج جانب التطرف في قضية علاج بعض الانحرافات بالتبديع والتكفير، لكن من يضبط هذه الأمور؟ يضبطها العلماء الراسخون، ولله الحمد من يقوم على شؤون الحرمين من العلماء الراسخين، والحرم قبلة للناس وقدسية الحرم الموجودة في القلوب تجعل لهذا المكان خصوصية». إستراتيجية تطويرية وفيما يخص الإستراتيجية المستقبلية لتطوير المكتبة ومركز البحث العلمى، قال:» لدينا دراسات ومجلس علمى أنشأه معالي الدكتورعبدالرحمن السديس، وهناك دراسة متكاملة عن مكتبة الحرم ومكتبة المسجد الحرام، ونتطلع للانتقال للمبنى العالمي داخل المسجد الحرام والجاري إنشاؤه، ونحن نفكر عالميًا لأن التفكير لابد أن يكون عالميًا، فلابد أن ننتشل العالم مما هو فيه، وأن نكون رحمة للعالمين، فنعرض ما عندنا». وذكر أن المكتبة ستفتح أبوابها للجميع للعالم كله، في التبادل والإهداء والاطلاع على المخطوطات في المواقع الإلكترونية، قائلا:»عندنا فهرس للمخطوطات من عشرة مجلدات سينشر ويهدى للمراكز البحثية العالمية، فتكون مكتبة الحرم محطة أنظار الباحثين في جميع أنحاء العالم». مشاركات محلية وعالمية وأضاف السفيانى أن المكتبة شاركت في معرض الكتاب بالرياض هذا العام لأول مرة، وهناك مشروعات مطروحة لإقامة ثلاثة معارض الأول خيري يكون في قاعة واسعة داخل توسعة الملك عبدالله للمسجد الحرام، يعرض فيه إنتاج المركز المتعلقة بالمسجدين، وأيضًا فتح الأبواب للدور لتشارك بكتيبات خيرية توزع على الحجاج والمعتمرين والزوار، ومعرض آخر يعتبر أشبه بالمعارض السياحية يعرض فيه المخطوطات والكتب النادرة وإنتاج المركز، ومعرض ثالث يكون ربحيًا خارج الحرم في صالة كبيرة جدًا ويكون معرضًا دوليًا، يختص بما يتعلق بالحرمين الشريفين يباع فيه المخطوطات والكتب والرسائل العلمية النادرة والإنتاجات الموجودة في الساحة المتعلقة بالحرمين الشريفين، لافتا إلى أنه سيكون على هامش هذه المعارض يكون هناك ندوات ومحاضرات تختص بالحرمين الشريفين. المزيد من الصور :