لم يعد مهرجان العالم العربي في مونتريال، كما كان في انطلاقته الأولى قبل خمسة عشر عاماً، مبادرة فردية أو مغامرة فنية أو احتفالية اغترابية تقتصر على بعض الاستعراضات الغنائية والموسيقية والفولكلورية. فقد بات اليوم حدثاً فنياً ومهرجاناً يضاهي مهرجانات مونتريال العالمية في برامجها وتنوعها ومواعيدها وجمهورها، ومؤسسة كندية عربية اغترابية هي الأولى من نوعها في الشمال الأميركي، وتشرف على إدارتها وبرامجها هيئة من ذوي المهارات والاختصاصات المهنية التي تستقطب أشهر الفرق والفنانين من مشاهير الرقص والغناء والموسيقى من عرب وكنديين وأوروبيين وهنود وباكستانيين ويابانيين. يتحاورن في ما بينهم عبر الكلمة أو الصوت أو اللحن أو الحركة أو الإيقاع، فيستحيل لقاؤهم منتدى عالمياً لفنون وثقافات الشرق والغرب. ويعزى نجاح المهرجان ليس لكونه «أيقونة فنية في ذاكرة مونتريال» فحسب، وإنما لديمومته وتجدده وانفتاحه واتساع آفاقه وجرأة أصواته وصدقيته، وما يلقاه من دعم كبرى المؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية الكندية وقدرته على سدّ الفراغ الفني والثقافي العربي المزمن على الساحة الاغترابية وتصديه لحملات التشكيك والتشهير التي تستهدف الهوية العربية. تحضير الأجواء وقد شهد قصر الفنون في مونتريال ليل السبت - الأحد، احتفالية مقتضبة لم تتعد 15 دقيقة، خصصت للإعلان عن برنامج مهرجان العالم العربي لعام 2014. وضم اللقاء حشداً من الفنانين والإعلاميين والفاعليات الداعمة للمهرجان، وتخلله عرض لبعض محطاته الفنية والثقافية التي انتجها على مدى خمسة عشر عاماً، ونماذج من محاوره الثلاثة: المشهد الفني المخصص للرقص والغناء والموسيقى، الصالون الثقافي للحوارات الرصينة، العرض السينمائي والمسرحي لمختارات عربية وعالمية. وتتوزع هذه النشاطات بوجهيها المجاني وغير المجاني، على العديد من صالات مونتريال ومسارحها. وعلى هامش الاحتفالية كان لـ «الحياة» لقاء مع المدير الفني للمهرجان جوزيف نخلة الذي استهل الحديث بقوله إن «المهرجان قدم حتى الآن 15 إنتاجاً فنياً ثقافياً بفضل مؤسسة «ألشيمي» التي، كما يوحي اسمها الكيميائي، تحوّل أي منتج عربي أو غير عربي وتصبه في قالب كندي عالمي تذوب فيه الفروق التي تعيق الحداثة». وتوقف عند عنوان المهرجان (15Folies meteques) واعتبره كغيره من عناوين المهرجانات السابقة يتضمن «أبعاداً سياسية على غرار الغزوات أو التغلغل أو الأيديولوجيات التي تحرك المجتمع عبر الثقافة أو الفكر أو العقائد الدينية. ومن هذا المنطلق يحاول المهرجان أن يصحّح مسار الثقافة العربية في الاغتراب الكندي ويمدّ جسوراً تسهّل عملية الاندماج الحضاري بالاتجاهين العربي والكندي وبالعكس». ومن شأن هذه الثنائية في اعتقاده أن «تخفف كثيراً من حدة التناقضات القائمة بين القديم والحديث والأنا والآخر والرجل والمرأة والممنوع والمسموح والخضوع والتحرر والجسد والروح». ولفت إلى أن مجمل هذه المعاني تتردد أصداؤها بشكل أو بآخر في مجمل نشاطات المهرجان، بعيداً من قيود المكان والزمان وحواجز اللغة والدين والعرق والثقافة. ويعمل نخلة على إيجاد مناخات فنية حرة تتجاوز اختلاف الهويات الثقافية وتؤسس لمبادرات وإنتاجات إبداعية عربية - عالمية ترتكز على الخبرة والتنوع والانفتاح. ونوه بما حققه المهرجان من إنجازات معنوية داعمة لمسيرته الفنية مشيراً إلى اختيار «المكتبة الكندية الكبرى» للمهرجان كواحد من أهم الجسور الكندية لنشر الفنون والثقافة والمعلومات. كما لفت إلى سلسلة دراسات واستطلاعات أجرتها جامعة مونتريال مع أربعة مهرجانات عالمية في مونتريال من بينها مهرجان العالم العربي، حول أذواق جمهوره العربي والكندي وطريقة التفاعل مع المادة التي يقدمها. ونوه نخلة بمهرجان «أورينتاليس» الذي ولد منذ أربعة أعوام من رحم المهرجان الأم، كرديف لنشر فضاءات شرقية وغربية تتفاعل فيها ألوان من فنون أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا والهند والصين ومصر وفلسطين والجزائر وسورية والعراق وموريتانيا والمغرب، إضافة إلى جعله متنفساً للعديد من النشاطات الترفيهية المجانية. يفتتح المهرجان في 24 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بحفلة لفرقة الجزائرية البربرية، ويستمر حتى 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتدعو «فريكلين» عبر الموسيقى إلى فصل الحرية عن العبودية لرؤية الجزائر بلداً شاباً ثائراً على التقاليد البائدة ومنفتحاً على الحداثة. تضم الفرقة سبعة فنانين يعزفون لوناً موسيقياً يجمع الراي والغناوي والشعبي والإيقاع الأفريقي والألحان الإلكترونية، ويشكل لوحة فنية من الموزاييك الجزائري. وتعدّ الفرقة الحضور بتحويل القاعة إلى حلبة رقص وغناء يسودها الحب والمساواة والسلام.