×
محافظة المنطقة الشرقية

تسليحنا للدفاع عن سيادتنا

صورة الخبر

جاء رحيل آمنة، رحمها الله، ليلف أرواحنا بغمائم حزن عليها، وينكأ جراحات مضت لحوادث مشابهة، فقدنا بها قطعا من أكبادنا في مؤسسات علم لأسباب مشابهة. ولست هنا بصدد تحرير الخطأ الذي أودى بآمنة، إذ إن هذه مسؤولية دائرة النفس بهيئة التحقيق والادعاء العام. هل كان الخطأ من إدارة جامعة الملك سعود، بإصدار تعليمات بعدم السماح لأي رجل أجنبي بالدخول إلى الحرم الجامعي إلا بعد أن يتم تحييد أو طرد البنات من الطريق حتى لا يحدث اختلاط؟ يبدو هذا، في تصوري، غير واردٍ لأن جامعة الملك سعود ذاتها ترعى مستشفيات كاملة قائمة على الاختلاط المنضبط، وبالتالي فمن المفترض ألا تقف أمام سيارة إسعاف لإنقاذ مصابة أومريضة في حرمها الجامعي. هل كان السبب اجتهادا من المسؤولة عن حركة المرور داخل الحرم الجامعي، أو من رجل الأمن أو رئيسه المباشر؟ هل كان السبب تأخر الإسعاف في الوصول حتى لفظت آمنة أنفاسها الأخيرة؟ هل لدى رجال الأمن تعليمات من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحكم أنها الجهة المعنية بمنع الاختلاط ومطاردة أهله، سواء تحريرية أو شفوية بعدم السماح لأي رجل أجنبي بدخول الحرم الجامعي؟ هل هناك سبب آخر؟ أم إن الجميع براء من هذا وما حدث أن آمنة أفضت إلى بارئها بشكل سريع ومفاجئ، دون تقصير من أي جهة. هذا ما ننتظر سماعه من جهات التحقيق، ويجب ألا تنتهي قصة آمنة دون أن يعرف الجميع سبب الرحيل الحزين. ولم نكد نكفكف أحزاننا ونضمد جراحنا على رحيل آمنة حتى فوجئنا بخبر حريق بالثانوية الثالثة بحي الرويس في جدة، أدى إلى اختناق معلمة وطالبة ومعالجة 12 حالة أخرى، وفقا لما ذكرت «الشرق» يوم الخميس القريب الماضي 13/ 2/ 2014. ماذا بعد هذا الرحيل وهذه الاختناقات؟ أنكتفي بتداول قصة آمنة مع سؤال الرحمة والغفران لها، وحمد الله على سلامة معلمات وطالبات ثانوية الرويس، ثم نمضي وكأن شيئا لم يكن؟ أنلتزم الصمت، ومشاهد الموت تتخطف بناتنا كل حين، بين قصة رحيل واحدة، أو عشراتٍ من فلذات أكبادنا، كذاك الرحيل الجماعي الذي حدث في مكة قبل ما يزيد على العشرة أعوام، حين ودعنا 15 فراشة في عمر الزهور. الدرس الذي يجب أن نستوعبه بشكل فوري حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث الأليمة هو أننا بحاجة ماسة إلى إجراء تدخلات وتعديلات جذرية على وضع منشآت تعليم البنات لضمان السلامة. يحتاج كل حرم جامعي أو مجمع تعليمي إلى مركز إسعاف متكامل ومتخصص في الإنقاذ الفوري السريع، إما بداخله أو قريبا منه، بحيث لا يعوقه عائق حال النداء. أما من حيث البناء والتشييد، فيجب أن تزود كل المدارس بأدوات إطفاء الحرائق، وليس هذا وحسب، وإنما إعطاء جميع المعلمات والطالبات دروسا في كيفية استخدامها. أحيانا لا تكون المشكلة في توفر أدوات السلامة، وإنما في الجهل بكيفية استخدامها. ننتظر أن تراعى سعة الممرات في مباني المدارس بطريقة يسهل فيها الخروج، خصوصا فيما يخص الأدوار العلوية، بإضافة سلالم كبيرة وواسعة ومفضية إلى الخارج والهواء الطلق مباشرة دون الحاجة إلى ممرات الدرج الداخلية، التي غالبا ما تكون شديدة الضيق، لتؤدي إلى زيادة وقت الاختناق ومن ثم احتمال انقطاع النفس قبل الوصول إلى تيار الهواء. يجب أن تراعى متانة التجهيزات الكهربائية، وتفحص جيدا قبل استلام المبنى، حكوميا كان أو مستأجرا، لأن كثيرا من مشكلات الحرائق في المباني تنشأ بسبب رداءة نوعية الأسلاك والأدوات الكهربائية كالأفياش، كما حدث في إحدى كليات البنات قبل شهور قليلة. كما أن التعامل مع أنابيب الغاز في المطابخ قد يشكل أمامنا قنابل موقوتة ومدمرة في أي لحظة تسريب لتلك الأنابيب. لا نزال نتذكر أنبوبة الغاز التي انفجرت بأحد المنازل بالرياض ودمرت أسرة بأكملها، وخلعت جدارا من مكانه من شدة الانفجار. قد تكون الأفران الكهربائية خيارا جيدا يتم اعتماده مكان أنابيب الغاز في المدارس والكليات. هذا من حيث البنية التحتية، أما من حيث آلية الدخول والخروج، فننتظر أن تلغى كل حالات الرصد والتفتيش عند أي حالة طوارئ. كما نأمل أن تصدر، إن لم تكن قد فعلت، هيئة الأمر والمعروف والنهي عن المنكر تعميما واضحا ومباشرا ينص على عدم اعتراض أي رجل إسعاف أو شرطة لدخول أي مدرسة بنات بها حالة طوارئ، حتى لا تزهق أرواح بناتنا في الداخل، بذريعة الحفاظ على شرفهن. لكن الشيء الذي لا ننتظره هو أن تبقى مدارس بناتنا بهذا الوضع البائس المزري. مبان مستأجرة ومتهالكة، سواتر جدران إضافية من القماش المقوى أو صفائح الحديد الرقيقة على أسوار المدرسة لتضيف مزيدا من الأجواء الخانقة للأنفاس. لم تكتف بعض المدارس بهذه السواتر الخانقة على الجدران وحسب، بل قامت بإحالة السواتر إلى سقف كامل فوق سور المدرسة، ليحيل المدرسة وأسوارها إلى صندوق إسمنت كبير، يحجب تيار الهواء بشكل كامل حتى عن فناء المدرسة، ويعني سرعة الاختناق وشموله لكل أرجاء المدرسة عند أي حالة حريق، لا قدر الله، إذ إن تيار الهواء لا يوجد إلا في الشارع. لا ننتطر أن يبقى هذا الضعف في احتياطات السلامة والأمن، ونقاط التفتيش التي تذكرك بمراكز التفتيش في مناطق الكوارث والحروب. حين تتأمل في حال بعض مدارسنا، يتبادر إلى ذهنك سؤال بسيط، أمدرسة هذه أم قلاعُ سجن محصنة. وحين صان الدين الحنيف النفس، أكد على وجوب اتخاذ كل الاحتياطات لحفظها وسلامتها، لا خنقها وحصارها، تحت دعوى الحفاظ على عفتها، حتى ولو كان الثمن إزهاق روحها وبقاء جثتها. اللهم ارحم آمنة.