إستراتيجية تنظيم داعش ترتكز على العمل من خلال تنظيم عقائدي، وهو إدارة الحرب عن طريق تنظيم سياسي قائد، حيث إن عناصر التنظيم باعوا أنفسهم وأوطانهم في سبيل مبدأ سياسي، بُني على فهم خاطئ للإسلام وتعاليمه، ويعتمد تنظيم داعش التوجيه والتثقيف السياسي ليواجه به التفوق العسكري والمادي لقوات التحالف، وليقنع به عناصره بضرورة التقشف والمثابرة والصمود والمقاومة، والطريق الوحيد لفرض الطاعة على عناصر التنظيم، هو خضوعهم لهذا الفكر العقائدي، إذ لا يملك التنظيم تلك الوسائل التي تمكن الجيوش النظامية من فرض الانضباط على أفراده. مواجهة الضربات الجوية، قام التنظيم بإجراءات احترازية تمثلت في توزيع قوات التنظيم إلى خلايا صغيرة، قادرة على تغيير مواقعها بسهولة لتجنب ضربات التحالف الجوية إن تنظيم داعش يعتمد على مركزية التخطيط، ويؤمن بأن النصر الكبير يتأتى من آلاف الانتصارات الصغيرة، ولا يمكن تحقيق الفعالية لهذه العمليات الصغيرة المتعددة إلا إذا كانت جميعها بتخطيط مركزي يحقق الهدف النهائي للحرب، وهي بالنسبة لهم حرب الأضعف في مواجهة الأقوى مادياً وعسكرياً، ولا سبيل مع هذا الواقع إلا إذا تجنب الحسم العسكري وأطال أمد الحرب. وفي مواجهة الضربات الجوية، قام التنظيم بإجراءات احترازية تمثلت في توزيع قوات التنظيم إلى خلايا صغيرة، قادرة على تغيير مواقعها بسهولة لتجنب ضربات التحالف الجوية، ومن الملاحظ في اليومين الأخيرين أن التنظيم لم يتورع بأمر مقاتليه بالاختلاط بالسكان المحليين(المدنيين) سواء في العراق أو في سورية، لاستخدامهم كدروع بشرية، في محاولة لتأليب الرأي العام العالمي ضد قوات التحالف أثناء وقوع ضحايا في صفوف المدنيين. وتعتمد داعش في عملياتها التكتيكية على نوعين من المناورة، هما الكمين والإغارة، (ويقصد بالكمين، الاختفاء في موقع جيد بانتظار تقدم العدو تحت سيطرته، حيث تقتحمه قوات الكمين بغرض إبادة العدو أو الحصول منه على أسرى أو وثائق أو أسلحة أو معدات)، وهو ما قام به تنظيم داعش بالأمس في شمال شرق ديالى، عندما نفذ كميناً قُتل فيه أكثر من خمسين شخصاً موالين للجيش العراقي، أما الإغارة فيقصد بها،(تقدم القوة المغيرة نحو الهدف المختار مراعية التخفي التام على طريق تقدمها، ثم تقوم باقتحام الهدف بالأسلوب الذي يناسب المعلومات المتوفرة سابقاً عنه، وبالطبع فإن لكل إغارة أهدافاً محددة قد تكون الحصول على الأسرى أو الوثائق أو الأسلحة أو المؤن أو المعدات أو حتى مجرد تدمير الغرض المستهدف ونسفه)، ولوحظ اختيار التنظيم الهجوم على المنشآت المنعزلة لإجبار الخصم على الانتشار وتوزيع قواته، بالإضافة إلى توفر المؤن والسلاح في هذه المنشآت بكميات كبيرة، والفارق التكتيكي بين الكمين والإغارة يكمن في أن الكمين انتظار وترقب في موقع جيد، بينما الإغارة تقدم مدروس إلى هدف مختار بعناية، ويُراعى في عمليات التنظيم السرية التامة، فخطط التحرك، لا يعرفها إلا قادة محدودون، مثل أبوبكر البغدادي ووزير الحرب في التنظيم، والقادة الميدانيين، كما يحرص التنظيم على المفاجأة والسرعة والحسم وتجنب النمطية والتكرار عند تنفيذ العمليات التكتيكية المختلفة، والاندفاع والتهور مرفوضان تماماً في تكتيك التنظيم، ويعتمد تنظيم داعش على مبيعات النفط والتي توفر لهم من 3-5 ملايين دولار يومياً، وهو ما يفسر استهداف قوات التحالف لمصافي النفط التي تخضع لسيطرة التنظيم، وبالتالي نعتقد أن عناصر التنظيم سيكونون في الأشهر القادمة أكثر عدائية تجاه السكان المحليين لتوفير المواد الغذائية اللازمة، كما سيكون هناك سعي إلى إيجاد بدائل في حال استطاع التحالف منع التنظيم من بيع النفط في السوق السوداء. الأمر الذي يجب عدم إغفاله، هو أن تنظيم داعش تفوق على غيره من التنظيمات المسلحة المتطرفة بتقدمه العلمي، حيث إن كثيراً من أعضاء التنظيم القادمين على وجه الخصوص من الولايات المتحدة وأوروبا حاصلون على تأهيل أكاديمي وخبرة في المجالات ذات التقنية العالية سمحت لهم بإنشاء شبكة اتصالات، وخرق الحواجز التقنية، وإدارة مواردهم المالية، وإيصال رسائلهم الإعلامية، ويتضح مما تقدم أن عنصر التقدم العلمي يعد أحد نقاط القوة لتنظيم داعش. وبعد 3 أيام من القصف الجوي المتواصل لقوات التحالف على مواقع التنظيم، أصبح لزاماً الوقوف على نتائج هذه الضربات وقراءة التطورات الميدانية وهو ما سنتناوله غداً بإذن الله. * عقيد أركان حرب متقاعد خبير أمني واستراتيجي