×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم الوطني / أمين العاصمه المقدسه : اليوم الوطني مناسبة غالية شهدت تأسيس البلاد وتطورها

صورة الخبر

تعتبر زبيدة بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد وهي زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد. من أهم نساء الدولة العباسية وأكثرهن شهرة لما كان لها من دور في دور الخلافة؛ فهي أم الخليفة الأمين الذي قتل على يد أخيه المأمون بعد نزاع على السلطة وهذه السيدة الفاضلة ومنذ نعومة أظافرها أرادت أن يسطر اسمها في كتب التاريخ الإسلامي وأن يبقى علماً وقدوة يحتذى بها في البذل والعطاء. لقد كان حلم حياتها الوحيد هو السهر ورعاية حجاج بيت الله وتسهيل سفرهم وبذلك كرست جل وقتها وأفنت شبابها في هذا المشروع العملاق وهو إنشاء طريق للحج على أسس معمارية ولوجستية حديثة، فبدأت بشق الطرق وإنشاء البرك وحفر الآبار وتشييد النزل والاسترحات على الدرب. كما أنشأت في منى وعرفات الاستراحات وأحواض المياه وحفرت الآبار كما أمرت المهندسين باستجلاب المياه من الجبال المحيطة بمكة وعبر قنوات أرضية صنعت خصيصاً لنقل المياه إلى بركة كبيرة داخل مكة أطلق عليها بركة زبيدة. وبتحليل بسيط في مفهومنا التقني الحالي يتبين لنا بأن هذه السيدة الفاضلة قد جندت الكثير من الطاقات والخبرات والمهارات للقيام بهذه الأعمال الإنشائية العظيمة. فقد استعانت بالمهندسين المدنيين في شق وتجديد الدرب ورسم معالمه وإنشاء وتصميم البرك والنزل والاستراحات وقام الجيولوجيون بتقصي منابع المياه وقام البناؤون بإنشاء البرك والأحواض وفطر وطوي الآبار وشق قنوات ري البرك. أمرت الفلاحين بزراعة الأرض والرعاة بجلب وإنماء الثروة الحيوانية لإمداد المسافرين بالغذاء والمؤن. كما طلبت من المخططين والإنشائيين تقييم متطلبات هذا الدرب وعمل الخطط والدراسات لتطويره وتحديثه ليوافق متطلبات الحجيج والمسافرين المستقبلية علماً بأن جميع هذه المجهودات الجبارة تمت تحت أشرافها ونفقتها الخاصة. ومن خلال هذا البحث نتناول الأعمال الجليلة والمجهودات الجبارة التي أقيمت وأمرت بأنشائها السيدة زبيدة على طريق «الكوفة – مكة» وقد أطلق المؤرخون عليه درب زبيدة وذلك تكريماً وتشريفاً لها لما بذلته وقدمته من إنشاء وإعمار هذا الدرب متمثلة في بناء أحواض للسقاية للحجاج في عدد من الأماكن الواقعة على دربهم من بغداد إلى مكة مما جعل هذا الطريق- التي أمرت ببنائه وتشييده- من أهم طرق الحج وقوافل التجارة خلال العصر الإسلامي، وقد استخدم هذا الطريق بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق، وأخذ في الازدهار منذ عصر الخلافة الراشدة، وأصبح استخدامه منتظماً وميسوراً بدرجة كبيرة، إذ تحولت مراكز المياه وأماكن الرعي والتعدين الواقعة عليه إلى محطات رئيسية. ولم يقتصر ذلك الإنجاز المعماري العملاق على الطريق الخدمي الممتد من الكوفة إلى مكة المكرمة، فثمة مشروع آخر ألحق به لا يقل أهمية أو عظمة أو إعجازاً عنه وهو مشروع «عين زبيدة». أشكل تشابه الأسماء على كثير من الناس، فدرب زبيدة أو ما يطلق عليه برك زبيدة شيء، وعين زبيدة شيء آخر وإن كان المشروعان متصلان، ومكملان لبعضهما البعض ضمن منظومة واحدة للمشروع. ويعد طريق زبيدة (طريق الحج) بتجهيزاته المختلفة، والذي يمتد من الكوفة إلى حدود الطائف بطول يتجاوز ال 1600 كيلو متر. أما (عين زبيدة) فهي استكمال للمشروع من النقطة التي انتهى فيها (الدرب) وصولاً إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. وقد دعت عوامل الطبيعة إلى تغيير نمط وأسلوب المشروع بما يتناسب مع التكوين الجيولوجي الذي يختلف في المنطقة الواقعة بين مكة المكرمة والطائف عن المنطقة الممتدة من الكوفة إلى بغداد، وهو ما نبه إليه- فيما يبدو – المهندسون الذين كلفتهم زبيدة بدراسة وتنفيذ المشروع. وتبعاً لذلك قررت زبيدة وأمرت في العام نفسه الذي شهد حجتها الشهيرة بحفر نهر جار يتصل بمساقط المطر. فاشترت «حائط حنين» ونزعت ملكيات المزارع والنخيل المحيطة به، وأمرت بشق أقنية ضخمة للمياه وسط الجبال المشرفة على مكة المكرمة، وشقت أقنية فرعية مساندة في المواضع التي تكون مظنة لاجتماع مياه السيول لتمثل رافداً للأقنية الرئيسية لزيادة كمية المياه التي يتم ضخها إلى مكة المكرمة عبر القناة الرئيسية. قنوات فرعية من الأقنية الفرعية التي خصصت لجمع واحتواء مياه السيول: «عين مشاش» و«عين ميمون» و«عين الزعفران» و«عين البرود» و«عين الطارقي» و«عين تقبة» و«الجرنيات». وتصب مياه هذه الأقنية في القناة الرئيسية، وتتفاوت كمية المياه تبعاً لكمية الأمطار على نواحيها من وادي نعمان إلى عرفة التي أمرت السيدة زبيدة ضمن المشروع نفسه بإيصال «عين وادي نعمان إليها. وعين نعمان تنبع من ذيل جبل «كرا» أشهر جبال الطائف وأمرت بجر هذه المياه في قناة إلى موضع يقال له «الأوجر» في وادي نعمان، ومنه إلى صعيد عرفات شريطة أن تدار القناة على جبل «الرحمة» محل الموقف الشريف، ومن ثم توزيعها إلى برك تم حفرها في أرجاء عرفات ليشرب منها الحجاج يوم عرفة. ثم أمرت أن تمتد القناة من هناك وصولاً إلى خلف الجبل وهي المنطقة التي يطلق عليها أهل مكة، «المظلمة»، ومنها تصل إلى «المزدلفة»ثم إلى جبل خلف «منى»، حيث تصب في بئر عظيمة مرصوفة بأحجار كبيرة جداً تسمى «بئر زبيدة». شريان تجاري وتحول درب زبيدة في العصر العباسي إلى حلقة اتصال مهمة بين بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء الجزيرة العربية. وقد اهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة، كبناء أحواض المياه وحفر الآبار وإنشاء البرك وإقامة المنارات وغير ذلك، كما عملوا على توسيع الطريق حتى يكون صالحاً للاستخدام من قبل الحجاج والمسافرين ودوابهم. ويعد (درب زبيدة) من أهم طرق التجارة والحج في العصر الإسلامي ولا يستبعد أن يكون معروفاً قبل ذلك العهد، حيث كانت الحيرة عاصمة المناذرة بالقرب من الموقع الذي قامت فيه الكوفة فيما بعد سنة 14هجرية وربما كانت القوافل التجارية من مكة والمدينة تتجه إلى الحيرة عبر هذا الطريق وكانت توجد على الطريق مناهل للمياه قبل الإسلام توقف في بعضها الجيش الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص قبل دخوله العراق ومن هذه المناهل زرود والثعلبية وشرف والعذيب والقادسية. وبدأ الطريق يزدهر بالتدريج منذ عصر الخلافة الراشدة وحتى العصر الأموي وبانتقال مركز الخلافة من الشام إلى العراق في العصر العباسي أصبح الطريق حلقة اتصال مهمة بين عاصمة الخلافة في بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء الجزيرة العربية وحتى اليمن، وأعطى خلفاء بني العباس جل اهتمامهم بتأمين طرق المواصلات وبالأخص طريق الكوفة من مكة، كما كان للأمراء والوزراء والقادة والوجهاء إصلاحات أخرى كثيرة على الطريق. وقد بلغ عدد المحطات الرئيسة في هذا الطريق سبعاً وعشرين محطة، ومثلها محطات ثانوية تسمى كل منها (متعشى)، وهي استراحة تقام بين كل محطتين رئيستين. معالم اندثرت وعلى الرغم من متانة تصميم مشروع درب زبيدة، وجودة المواد المستخدمة في البناء، ورغم طول الطريق الذي تتجاوز مسافته 1500 كيلو متر، وكثرة الآبار والبرك والمرافق الخدمية التي أقيمت على ضفافه إلا أن أجزاء قليلة منه فقط ما زالت باقية إلى وقتنا الحاضر. فقد اندثرت معظم معالم الطريق ودفنت الآبار والبرك وتهدمت المنشآت والمرافق التي كانت مقامة على امتداده ولم يتبق سوى القليل من المعالم التي ظلت صامدة في بعض المناطق رغم الإهمال الذي عانت وتعاني منه حتى الآن. وتختلف الأسباب التي أدت إلى اندثار الطريق وزوال معظم معالمه تبعاً للظروف المكانية والتاريخية والطبيعية لكل منطقة مر بها الطريق وحجم الأحداث التي شهدها خلال المراحل التاريخية المختلفة. الفتن والحروب وتشير المصادر التاريخية إلى أن بداية اندثار معالم وآثار درب زبيدة بدأت في العهود التي بدأت فيها الفتن تدب في الدولة الإسلامية وبداية اختلال الأمن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق بما فيها من أعمال النهب والسلب والقتل وقطع الطرق ابتداء من نهاية القرن الثالث الهجري الأمر الذي أدى إلى انقطاع الحج لسنوات متصلة وعزوف الناس عن الحج نتيجة الذعر والخوف في صفوفهم الأمر الذي أدى إلى هجر الطريق مما ساعد العصابات ومكنها من هدم وتخريب المحطات وتدمير وردم الآبار والبرك وساعدهم في ذلك العوامل الطبيعية كالأمطار الغزيرة والسيول الجارفة. ويشير الدكتور سعد الراشد أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود إلى أن المصادر التاريخية والجغرافية تشير إلى أن طريق الكوفة مكة بلغ أوج ازدهاره في العصر العباسي المبكر وشعر المسافرون على الطريق من أقصى المشرق الإسلامي بالأمن والطمأنينة، وبعد انقضاء عصر الخلفاء الأقوياء تعرض الطريق لهجمات القبائل والقوى المحلية الثائرة، ففي أواخر القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع، تعرضت بعض محطات الطريق للتخريب والتدمير على أيدي القرامطة، مثل محطة الربذة، ونجم عن ذلك اندثار معالم الطريق وتوقف الحجاج عن استخدامه إلا في حالات توافر الحماية. ويضيف الراشد: تعطل الطريق بشكل كبير حدث بعد سقوط بغداد على يد المغول سنة 656ه/1258م ولم يعد الطريق مستخدماً إلا في فترات متقطعة، كما أن أجزاء الطريق من معدن النقرة وحتى مكة انقطع استخدامه نهائياً منذ أواخر القرن الرابع الهجري وبالتدريج اندثرت معظم محطات الطريق وتقلصت المحطات والمنازل إلى أطلال فيما الآبار والبرك غطتها الرمال ولو بقيت بعض الآبار والبرك صالحة للاستعمال حتى الآن إلا أنها استثناء ولا يمكن القياس عليها. مستندات التكلفة لقد كلف هذا المشروع خزينة زبيدة أموالًا طائلة لدرجة أنها وبعد أن أمرت خازن أموالها بتكليف أمهر المهندسين والعمال لإنشاء هذه العين، أسر لها بعظم التكاليف وحجم المبالغ الباهظة التي سيستهلكها المشروع، فقالت له قولتها الشهيرة: «اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً». وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن مجموع ما أنفقته السيدة «زبيدة» على مشروع «عين زبيدة» البالغ طوله عشرة أميال وصل إلى مليون وسبعمائة ألف مثقال من الذهب. أي ما يساوي خمسة آلاف وتسعمائة وخمسين كيلو غراماً. فيما لم تشر المصادر عن حجم تكلفة المشروع الأضخم (درب زبيدة) الممتد من العراق إلى مكة المكرمة بطول 1600 كيلو متر، حيث حرصت زبيدة على عدم إعلان التكلفة العامة للمشروع وأعدمت المستندات والوثائق كافة المتعلقة بالمصروفات، فبعد أن تم الانتهاء من مراحل المشروع كافة وبدأ تشغيله فعلياً اجتمع المهندسون والخبراء والمقاولون مع السيدة «زبيدة» في قصرها المطل على نهر دجلة وأخرجوا دفاترهم ليؤدوا حساب ما صرفوه، وليبرئوا ذممهم مما تسلموه من خزائن الأموال. فأخذت الدفاتر وألقت بها في النهر وقالت: «تركنا الحساب ليوم الحساب. فمن بقي عنده شيء من المال فهو له، ومن بقي له شىء عندنا أعطيناه». ويذكر أنه كان لزبيدة من الجواري مائة جارية، كن يحفظن القرآن الكريم، وكان يسمع في قصرها دوي كدوي النحل من قراءة القرآن الكريم. وقد كان لها الدور الكبير في تطور الزي النسائي في العصر العباسي. وكانت زبيدة أول من اتخذ الآلة من الذهب والفضة المكللة بالجوهر. وهي أول من اتخذ الشاكرية والخدم والجواري يختلفون على الدواب في جهاتها ويذهبون برسائلها وكتبها. وهي أيضاً أول من اتخذ القباب من الفضة والآبنوس والصندل والكلاليب من الذهب والفضة ملبسة بالوشي والسمور وأنواع الحرير الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق وقد كانت وفاة السيدة زبيدة ببغداد في جمادى الأولى سنة 216ه الموافق 831 م.